كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 6)

"إنَّهُما لَيُعَذَّبانِ وَما يُعَذبانِ في كبِيرٍ" قال: وفي رواية البخاري "بَلى إنَّه كبِيرٌ، أمَّا أحدُهُما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه فشفع لهما إلى المدة المذكورة قيل: وهو الأظهر وقال الحافظ ابن حجر: هو الظاهر من مجموع طرق الحديث. قوله: (إنهما) قيل: أعاد الضمير على غير مذكور اكتفاء بدلالة سياق الكلام عليه كقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وقيل: أعاده على القبرين مجازاً أو أراد من فيهما كما تقدم. قوله: (في كبير) قال ابن مالك: فيه شاهد على ورود في للتعليل وهو مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "عذبت امرأة في هرة" وخفي ذلك على أكثر النحويين ومع ورود القرآن به كقوله تعالى: {لمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} قوله: (قال وفي رواية البخاري الخ) قال القلقشندي: هي من زيادات جرير على الأعمش وهي ترد على ابن بطال استدلاله برواية الأعمش على أن التعذيب لا يختص بالكبائر بل قد يقع على الصغائر معللاً بأن الاستتار من البول لم يرد فيه وعيد شديد. قوله: (إنه لكبير) اختلفوا في معنى هذا الكلام منه -صلى الله عليه وسلم- فقال البوني شارح الموطأ: يحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم- ظن أن غير كبير فأوحى إليه في الحال إنه كبير فاستدرك قيل: ويحتمل أن الضمير في وإنه عائد إلى العذاب لما ورد في صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة عذاباً شديداً في ذنب هين وقال الداودي وابن العربي كبير المنفى بمعنى أكبر والمثبت واحد الكبائر أي ليس ذلك بأكبر الكبائر كالقتل مثلاً وإن كان كبيراً في الجملة قال المصنف: فعلى هذا يكون المراد الزجر والتحذير لغيرهما من توهم إن التعذيب لا يكون إلا في أكبر الكبائر كالموبقات فإنه يكون في غيرها وقيل: المعنى ليس بكبير في الصورة لأن تعاطيه يدل على الدناءة والحقارة وهو كبير في الإثم وقيل: ليس بكبير في اعتقاد المخاطبين وهو عند الله كبير كقوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} وهذا القول بدأ به المصنف وقيل: ليس بكبير إزالته والاحتراز منه فإنه سهل على من يريد التوقي منه وهذا جزم به الخطابي والبغوي والمنذري وقال ابن دقيق العيد: إنه الذي يجب حمل الحديث عليه وقيل: ليس كبيراً بمجرده وإنما صار كبيراً بالمواظبة عليه ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وصف كلاًّ منهما بما يدل على تكرر ذلك واستمراره عليه للإتيان بصيغة المضارع بعد كان وقيل غير ذلك. قوله: (أما أحدهما) أما حرف شرط وتفصيل كما

الصفحة 383