كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 6)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعكسه وحكمة ما جاء في تلك الرواية الإشارة اللطيفة إلى عظم تلك الكلمة فكأنه قال: إن هذه الكلمة وإن كانت صغيرة وقليلة عندك فهي عند الله كبيرة وكثيرة بحيث لو مزجت بماء البحر بأجناسه وأصنافه وأنواعه ووسعه من طوله وعرضه وعمقه لغلبته وهذا من البلاغة غاية مبلغها وفيه من الزجر نهايته ومنتهاه وأما قول الكشاف في قوله تعالى: {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ} حق اللفظ الخ فقال بعضهم: إنه خطأ فاحش لأنه ليس المعنى على أنه اختلط بالماء نبات الأرض إذ ليس تحته طائل بل الصواب أن الباء للسببية وأن المختلط هو بعض نبات الأرض ببعضه وتوضيحه أن المطر سابق وجوده على تحقق النبات على ما أشار إليه الفاء التعقيبية في قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ}، فإن قلت: لعل صاحب الكشاف أراد اختلاط ماء أثر المطر بما
تنبت به الأرض من الحبة مثلاً قلت: الظاهر أن هذا مطمح نظره ومطلع فكره لكنه يرده قوله تعالى: {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ} فأصبح هشيماً تذروه الرياح إذ تعقيبه الأصباح المذكور إنما هو عند حصول اختلاط النبات بعضه ببعض لا حين اختلاط الماء بالحب والنوى كما لا يخفى ومما يدل صريحاً على كون الباء للسببية قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} ثم رأيت الكشاف اختار ما اخترناه وحرر ما حررناه حيث قال: فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضاً ثم قال وقيل: نجع في النبات الماء فاختلط به حتى روى ورف رفيفاً وكان حق اللفظ على هذا التفسير فاختلط بنبات الأرض ووجه صحته إن كلا من المختلطين موصوف بصفة صاحبه اهـ، كلامه ففي نقل كلام الكشاف قصور من الناقلين لأن ما ذكر مبني على شيء أسسه ومهده والله أعلم، وفي قوله حق اللفظ مع سوء الأدب بالنسبة إلى الآية القرآنية دسيسة اعتزالية والله ولي دينه وناصر نبيه اهـ، وقول العاقولي والطيبي على أن هذا التركيب من باب عرضت الناقة الخ اعترض بأنه ممنوع ومدفوع بأن العرض إنما يكون على أرباب التمييز فبهذه القرينة تعرف أن السلام مقلوب بخلاف ما نحن فيه فإن

الصفحة 389