كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 6)

وحكيتُ له إنساناً فقال: "ما أُحِبُّ أني حَكَيتُ إنساناً وأنَّ لي كَذ وكَذَا" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قلت: مزجته أي خالطته مخالطة يتغير بها طعمه أو ريحه لشدَّة نتنها وقبحها، وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمُها، وما أعلم شيئاً من الأحاديث يبلغ في الذم لها هذا المبلغ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (3) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] نسأل الله الكريم لطفه والعافية من كل مكروه.
وروينا في سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أظْفارٌ مِنْ نُحاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤلاءِ يا
جِبْرِيلُ؟ قال: هَؤلاءِ الّذِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لكل من الطرفين قابلية الخلط والمزج والله أعلم. قوله: (وحكيت له إنساناً) أي ذكرته بما يكرهه ذلك الإنسان أو حكيت ما يكره من أفعاله أو أحواله. قوله: (ما أحب أني حكيت إنساناً) أي بما يكرهه. قوله: (وإن لي كذا الخ) إشارة إلى عظم إثم الغيبة وإنه لا يقاومها ما أعطيه من غيرها أي وإن كان كثيراً كما يدل عليه كذا وكذا إذ هي كناية عن الأعداد الكثيرة وإنما كان كذلك لأن ترك الاغتياب سلامة وعمل البر غنيمة والسلامة مقدمة على الغنيمة كما تقدم والله أعلم.
قوله: (أي خالطته مخالطة) أي لو كانت أجساماً محسوسة لغيرت طعمه لشدة قبحها وريحه لنتنها أي عفونتها ففي العبارة لف ونشر مشوش. قوله: (أو أعظمها) أي بل أعظمها فأو بمعنى بل ويحتمل أن يكون حصل للشيخ تردد في الأمرين فأتى بأو المؤذنة لذلك وقد أشارت آية الحجرات في الغيبة إلى أعظم زجر عنها وقد بين ذلك ابن حجر في الزواجر بياناً شافياً.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود) قال المنذري في الترغيب وذكر أي أبو داود أن بعضهم رواه مرسلاً اهـ، وفي الجامع الصغير ورواه أحمد والضياء في المختارة كلهم من حديث أنس.
قوله: (يخمشون وجوههم) قال الحافظ ابن حجر في مقدمته للفتح خموش أي خدوش وهي الجراحات التي

الصفحة 390