كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 6)

وغفلة ونحو ذلك فليس غيبة، إنما الغيبة ذِكْرُ الإنسان بعينه أو جماعة معينين.
ومن الغيبة المحرَّمة قولك: فعل كذا بعض النّاس، أو بعض الفقهاء، أو بعض من يدعي العلم، أو بعض المفتين، أو بعض من ينسب إلى الصلاح أو يدَّعي الزهدَ، أو بعض من مرَّ بنا اليوم، أو بعض من رأيناه، أو نحو ذلك إذا كان المخاطَب يفهمه بعينه لحصول التفهيم. ومن ذلك غِيبة المتفقِّهين والمتعبِّدين، فإنهم يعرِّضون بالغيبة تعريضاً يفهم به كما يفهم بالصريح، فيقال لأحدهم: كيف حال فلان؟ فيقول: الله يصلحنا، الله يغفر لنا، الله يصلحه، نسأل الله العافية، نحمد الله الذي لم يبتلنا بالدخول على الظَّلَمة، نعود بالله من الشرِّ، الله يعافينا من قِلَّةِ الحياء، الله يتوب علينا، وما أشبه ذلك مما يفهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مقامها في الإفهام ولو من التعريض والرمز والإشارة. قوله: (فليس غيبة) أي فلا حرمة. قوله: (إذا كان المخاطب يفهمه) أي ولو بقرينة خفية، وإلا: أي بأن لم يعرفه المخاطب فلا يحرم كما في الإحياء وغيره قال في الزواجر فإن قلت ينافيه قولهم تحرم الغيبة بالقلب أيضاً فلا عبرة بفهم المخاطب قلت: الغيبة بالقلب هي أن تظن السوء وتصمم عليه بقلبك من غير أن تستند في ذلك إلى مسوغ شرعي فهذا هو الذي يتعين أن يكون مرادهم بالغيبة بالقلب وأما مجرد الحكاية عن مبهم لمخاطبك ولكنه معين عندك فليس فيه ذلك الاعتقاد بالقلب فافترقا ثم أيد ذلك بكلام للإحياء في الغيبة وإنها عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء. قوله: (ومن ذلك غيبة المتفقهين الخ) في الزواجر من أخبث أنواع الغيبة غيبة من يفهم المقصود بطريقة الصالحين إظهاراً للتعفف عنها ولا يدري أنه بجهله جمع بين فاحشتي الريا والغيبة كما يقع لبعض المراءين أنه يذكر عنده إنسان فيقول: الحمد لله
الذي ما ابتلانا بقلة الحياء الله يصلحنا وليس قصده بدعائه إلا أن يفهم عيب الغير اهـ. قوله: (فإنهم يعرضون الخ) ولا بد من قصد ذلك التعريض والتنقيص كما صرح به ابن حجر آنفاً.

الصفحة 395