كتاب الفروع وتصحيح الفروع (اسم الجزء: 6)
لَا تَجْعَلْ مَنَايَانَا بِهَا حَتَّى تُخْرِجَنَا مِنْهَا" 1 وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ2 تَدُلُّ عَلَى فَضْلِهَا لَا فَضِيلَتِهَا عَلَى مَكَّةَ وَبِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خُلِقَ3 مِنْهَا4 وَهُوَ خَيْرُ الْبَشَرِ, وَتُرْبَتُهُ خَيْرُ التُّرَبِ, وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ فَضْلَ الْخِلْقَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ التُّرْبَةِ ; لِأَنَّ أَحَدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ, وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ تُرْبَتَهُ أَفْضَلُ, وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ, وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ التُّرْبَةَ أَفْضَلُ, قَالَ فِي الْفُنُونِ: الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ الْحُجْرَةِ, فَأَمَّا, وَهُوَ فِيهَا فَلَا وَاَللَّهِ وَلَا الْعَرْشُ وَحَمَلَتُهُ وَالْجَنَّةُ ; لِأَنَّ بِالْحُجْرَةِ جَسَدًا لَوْ وُزِنَ بِهِ لَرَجَحَ. فَدَلَّ كَلَامُ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ التُّرْبَةَ عَلَى الْخِلَافِ, وَقَالَ شَيْخُنَا: لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا فَضَّلَ التُّرْبَةَ عَلَى الْكَعْبَةِ غَيْرَ الْقَاضِي عِيَاضٍ, وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ, وَلَا وَافَقَهُ أَحَدٌ. وَفِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ الْخِلَافُ فِي الْمُجَاوَرَةِ فَقَطْ.
وَجَزَمُوا بِأَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا, وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ, وَهُوَ أَظْهَرُ, وَقَالَ: الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَانٍ يَكْثُرُ فِيهِ إيمَانُهُ وَتَقْوَاهُ أَفْضَلُ حَيْثُ كَانَ, وَمَعْنَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي5 وَغَيْرِهِ أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ, وَأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ, وَذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ: الْمُقَامُ بِالْمَدِينَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ لمن قوي عليه ; لأنها مهاجر المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "4778".
2 تقدم بعض هذه الأخبار ص 26-27.
3 ليست في "س".
4 أورده الحكيم الترمذي في نوادر الأصول 1/268, عن ابن سيرين رضي الله عنه يقول: لو حلفت حلفت صادقا بارا غير شاك ولا مستثن أن الله عز وجل ما خلق نبيه صلى الله عليه وسلم ولا أبابكر ولا عمر رضي الله عنهما إلا من طينة واحدة ثم ردهم إلى تلك الطينة
5 5/464.
الصفحة 28