كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 6)

وكأن "خالدا" الراوي عن أبي قلابة الراوي عن أنس سمع الحديث بهذا اللفظ "من السنة" وأنه يرى ما يقول به جمهور المحدثين، وأنه في حكم المرفوع، فقال: لو قلت: إنه رفعه لصدقت، لأنه له حكم المرفوع. وقد أخرج الإسماعيلي عن أبي قلابة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فصرح برفعه. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان والدارمي والدارقطني مصرحًا برفعه.
فيحتمل أن "خالدًا" أو أبا قلابة علم أن الحديث مصرح برفعه على لسان أنس، لكنه لم يسمعه مصرحًا برفعه، وسمعه بلفظ "من السنة كذا" فتحرز عن التصريح بالرفع، وحافظ على اللفظ الذي سمعه والفرق بين الرأيين أن الحديث مرفوع؟ أو في حكم المرفوع؟ وفرق بين القولين.

-[فقه الحديث]-
قال النووي: في الحديث أن حق الزفاف ثابت للمزفوفة، وتقدم به على غيرها، فإن كانت بكرا كان لها سبع ليال، بأيامها، بلا قضاء، وإن كانت ثيبًا كان لها الخيار، إن شاءت سبعًا، ويقضي السبع لباقي النساء، وإن شاءت ثلاثا، ولا يقضي. هذا مذهب الشافعي وموافقيه، وهو الذي ثبتت فيه هذه الأحاديث الصحيحة، وممن قال به مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن جرير وجمهور العلماء. وقال أبو حنيفة: يجب قضاء الجميع في الثيب والبكر، واستدلوا بالظواهر الواردة بالعدل بين الزوجات، وحجة الشافعي هذه الأحاديث، وهي مخصصة للظواهر العامة.
واختلفوا. هل هذا مختص بمن له زوجات غير الجديدة؟ أو هو عام؟ قال ابن عبد البر: جمهور العلماء على أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف، سواء كانت عنده زوجة أم لا. لعموم الحديث "إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا" لم يخص من كانت له زوجة، وقالت طائفة: الحديث فيمن له زوجة أو زوجات غير هذه، لأن من لا زوجة له مقيم مع هذه كل دهره، مؤنس لها، متمتع بها، مستمتعة به بلا قاطع، بخلاف من له زوجات، فإنه جعلت هذه الأيام للجديدة تأنيسًا لها متصلاً، لتستقر عشرتها له، وتذهب حشمتها ووحشتها منه، ويقضي كل واحد منهما لذته من صاحبه، ولا ينقطع بالدوران على غيرها. ورجح القاضي عياض هذا القول، وبه جزم البغوي من الشافعية في فتاويه. والأول أقوى، وهو المختار لعموم الحديث. اهـ.
وهكذا اختار النووي أنه لا فرق، قال الحافظ ابن حجر: وإطلاق الشافعي يعضده، ولكن يشهد للأول قوله - في روايتنا الخامسة - إذا تزوج البكر على الثيب" ويمكن أن يتمسك للآخر برواية "إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا" حيث لم يقيده بما إذا تزوجها على غيرها، لكن القاعدة أن المطلق يحمل على المقيد، ويؤيده قوله أيضًا في الحديث عند البخاري "أقام عندها سبعًا وقسم" لأن القسم إنما يكون لمن عنده زوجة أخرى.
قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث حجة على الكوفيين في قولهم: إن البكر والثيب سواء في الثلاث وفيه حجة على الأوزاعي في قوله: للبكر ثلاث وللثيب يومان.

الصفحة 19