كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 6)

3213 - وزاد في رواية: قال عطاء: كانت آخرهن موتًا. ماتت بالمدينة.

-[المعنى العام]-
عاش صلى الله عليه وسلم مع خديجة رضي الله عنها نحو خمس وعشرين سنة، لم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت، فأحس بوحدة وأسى، حتى سمي عام وفاتها عام الحزن، وجاءته الخاطبة تنصحه بالزواج، وعرضت عليه بكرًا وثيبًا، أما البكر فعائشة وأما الثيب فسودة، فخطبهما صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بنحو عامين، وعقد عليهما، عقد على عائشة، ثم عقد على سودة، عقد على عائشة حبًا في أبيها، فهي لم تتجاوز السادسة أو السابعة من عمرها، أما سودة فهي تناهز الخمسين من عمرها، دخل على سودة قبل الهجرة بسنتين، ودخل على عائشة بعد الهجرة بعام أو يزيد، ثم تزوج حفصة بنت عمر وزينب بنت خزيمة، فماتت عنده بعد شهرين، فتزوج أم سلمة، ثم جويرية بنت الحارث، ثم زينب بنت جحش، ثم أم حبيبة بنت أبي سفيان، ثم صفية بنت حيي، ثم ميمونة بنت الحارث، فاجتمع عنده تسع من النساء يقسم لكل واحدة منهن ليلة ويومًا، هذا قسمه صلى الله عليه وسلم فيما يملك، وهو الإقامة والمبيت، لكن ما لا يملكه قلبه وحبه وميله، فقد كان حب عائشة بقدر لا يخفى على الزوجات، بل لا يخفى على الصحابة، حتى كانوا يتحرون بهداياهم له يوم عائشة، يوم سكنه وسروره وانبساطه، وكانت رغبته في سودة أقل الرغبات، فقد طعنت في الستين، وكانت ثبطة ضخمة الجسم، ثقيلة الوزن والحركة، ووهن عظمها، واشتعل بالشيب رأسها، بسيطة في تفكيرها، سهلة الانقياد لعائشة، مستسلمة لها، حتى كادت لا تعد من الزوجات، بل أشيع أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلقها، أو هو على وشك تطليقها، وعلمت بذلك، وخشيت إن هي انتظرته في ليلتها لتحدثه عما في نفسها أن يفوت الوقت، ويقع الطلاق، فمتى وأين تكلمه؟ إنها تجتمع مع صواحباتها في بيت إحداهن كل ليلة، لكنها لا تستطيع أن تفاتحه في أمر كهذا أمامهن، فانتظرته في طريقه من المسجد إلى بيت إحدى الزوجات صاحبة النوبة عصر يوم من الأيام، ثم استوقفته، فقالت: يا رسول الله، هل طلقتني أو ستطلقني لموجدة
وجدتها علي؟ أي لعيب أو خطأ أستطيع إصلاحه؟ قال: لا. قالت: والذي بعثك بالحق. مالي في الرجال حاجة، ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة. إن كنت طلقتني فراجعني، فإني قد جعلت يومي وليلتي منك لعائشة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك مرضاته صلى الله عليه وسلم، وقبل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا العرض، الذي رفع عن كاهله ثقل القسم، فكان يقسم لعائشة يومها ويوم سودة.
هذا عن تنازل سودة عن يومها لعائشة، أما عن الزوجات اللائي يرغبن في الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم تشرفًا ورغبة في القرب منه فقد كثر عرضهن، حتى عرضت إحدى أمهات المؤمنين أختها عليه، وحتى كثر الواهبات أنفسهن له صلى الله عليه وسلم، وحتى أنزل الله له حرية القبول والرفض،

الصفحة 27