كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 6)

{ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51] لكنه صلى اللَّه عليه وسلم توقف عند التسع، ولم يزد صلى اللَّه عليه وسلم، ورضي عن زوجاته أمهات المؤمنين.

-[المباحث العربية]-
(ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة) المسلاخ بكسر الميم الجلد، أي أن أكون أنا هي. والمعنى ليس هناك امرأة أحب أن أعمل عملها أكثر من سودة.
(من امرأة فيها حدة) الحدة بكسر الحاء وتشديد الدال الشدة وسرعة الغضب، وتطلق على حدة الذهن والذكاء وقوة القريحة، وضبط النفس، وهذا هو المراد هنا، إذ لم ترد عائشة أن تعيب سودة، ثم إن سودة معروفة في تاريخها بغير سرعة الغضب، ثم إن ما حدثت به عنها من تنازلها عن يومها لعائشة ذكاء وحسن تصرف، وبعد نظر، وغاية في التسامح والحكمة، فـ"من" في "من امرأة" بيانية، ويجوز حمل الحدة على المعنى الأول، فقد ذكر في الإصابة وصحح عن عائشة قولها: "إن بها إلا حدة فيها" أي ما كان فيها من عيب إلا حدة وسرعة غضب "كانت تسرع منها اللعنة".
(فلما كبرت) الكبر والصغر أمر نسبي، فقد تزوجت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كبيرة، فالمراد زادت كبرًا.
(جعلت يومها) أي نوبتها، وهي يوم وليلة من كل تسع ليال بأيامها.
(وكانت أول امرأة تزوجها بعدي) قال النووي: كذا ذكره مسلم أنه صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة قبل سودة، وروي أنه تزوج سودة قبل عائشة. قال الحافظ ابن حجر: معناه عقد على سودة بعد أن عقد على عائشة، وأما دخوله على سودة فكان قبل دخوله على عائشة بالاتفاق. نبه على ذلك ابن الجوزي.
(كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) كذا وقع هنا "أغار" بالغين، والمراد أنتقد وألوم وأعتب، يؤيد هذا المعنى رواية الإسماعيلي بلفظ "كانت تعير اللائي وهبن أنفسهن" بالعين. كما يؤيد هذا المراد قولها في روايتنا الرابعة "أما تستحيي امرأة تهب نفسها لرجل"؟
وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هبة من وهبت نفسها له، لكن فيه أن الواهبة كانت أكثر من واحدة، قال الحافظ ابن حجر: في النكاح حديث سهل بن سعد أن امرأة قالت: يا رسول الله إني وهبت لك نفسي .. " وفيه قصة الرجل الذي طلبها، وقال له: "التمس ولو خاتمًا من حديد". ومن حديث أنس "أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت له: إن لي ابنة - وذكرت عن جمالها فآثرتك بها. فقال: قد قبلتها. فلم تزل تذكر، حتى قالت: لم تصدع قط. فقال: لا حاجة لي في ابنتك" وهذه امرأة أخرى بلا شك، وعن أبي حاتم من حديث عائشة "التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم هي خولة بنت حكيم" أشار إليه البخاري معلقًا. ومن طريق الشعبي قال: من الواهبات أم شريك، وأخرجه النسائي. وعند

الصفحة 28