كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 6)

تسر إذا نظرت، وتطيع إذا أمرت" والجمال مطلوب في كل شيء، لا سيما في المرأة التي تكون قرينة وضجيعة.
هذا إذا لم يؤد الجمال إلى زهوها ودلالها وفساد أخلاقها.
أما الدين فهو سنام الصفات المبتغاة، وهو اللائق طلبه من ذوي المروءات وأرباب الديانات، لأن أثره عظيم، وخطر فقده جسيم، ولذا أرشد إليه صلى الله عليه وسلم بآكد وجه وأبلغه، فعبر بالظفر الذي هو غاية البغية ومنتهى الاختيار، وبصيغة الطلب الدالة على الاهتمام بالمطلوب. اهـ.
وهناك مقاصد أخرى غير هذه الأربعة المذكورة في الحديث، منها البكر الواردة في الحديث الثاني وما بعده، ومنها أن تكون عاقلة، حكيمة في تصرفاتها، وأن تكون على درجة من إحسان تدبير المنزل، وأن تكون متعلمة، وأن تكون ودودًا، وأن تكون ولودًا، وأن لا تكون قريبة قرابة تضعف الشهوة، وأن لا تكون ذات ولد من غيره، إلا لمصلحة، كما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة ومعها أولاد أبي سلمة.
وإنما اقتصر الحديث على هذه الأربعة لأنها أهم ما ألف اعتباره عند جمهرة الناس، على أن الكثير من غيرها يمكن رده إليها.
ولا يتعارض هذا الحديث مع ما رواه ابن ماجه عن ابن عمر، مرفوعًا "لا تتزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن" - أي يهلكهن ويوقعهن في الفساد والرذيلة - "ولا تتزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل" لأن المراد به النهي عن مراعاة الجمال أو المال مجردًا عن الدين، فلا يتنافى استحباب ذلك في المرأة إذا روعي الدين، بدليل أمره صلى الله عليه وسلم من يريد التزوج أن ينظر إلى المخطوبة، وهو لا يفيد معرفة الدين، وإنما يعرف به الجمال أو القبح.
فإذا اختصت كل واحدة بخصلة أو أكثر من هذه الخصال قدم أكثرهن تقوى، وأما التفاضل بين المسلمة والكتابية فإن كانتا متساويتين في بعض الصفات دون بعض قدمت المسلمة قطعًا، وإذا اجتمعت جميع خصال الكمال في الكتابية، وكانت المسلمة على النقيض منها كان للنظر في الترجيح مجال.
وقد اختلف العلماء في كفاءة النكاح، فقيل: هي في الدين، وقيل: هي في النسب والحسب، وقيل: هي في المال، والأولى تحكيم العرف.
أما النقطة الثانية وهي الحث على نكاح البكر فهي واضحة وصريحة في الرواية الثانية وما بعدها، وأصرح من ذلك ما أخرجه ابن ماجه، بلفظ "عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواهًا، وأنتق أرحامًا" أي أكثر حركة في أرحامهن، والنتق بنون وتاء وقاف الحركة، قال الحافظ، لعله يريد أنها كثيرة الأولاد، وأخرج الطبراني نحوه، وزاد "وأرضى باليسير" ولا يعارضه حديث "عليكم بالولود" من حيث إن البكر لا يعرف كونها ولودًا، لأن المقصود أن في البكر مظنة الولود، فيكون المراد بالولود من هي كثيرة الولادة بالتجربة أو بالمظنة. وأما من جربت فظهرت عقيمًا، وكذلك الآيسة فالخبران متفقان على مرجوحيتهما.

الصفحة 40