كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 6)

(ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر) اللام في "ليتركها" ساكنة، والمراد بتركها في عصمته حائضًا حتى تطهر من حيضتها، وحتى تحيض حيضة أخرى، غير التي طلقت وروجعت فيها، وحتى تطهر من حيضتها الثانية، وفي الرواية الثانية "فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم" أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض عنده حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها" وفي الرواية الثالثة "مره فليراجعها، ثم ليدعها - أي ليمسكها - حتى تطهر، ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فليطلقها ... " وفي الرواية الخامسة "فليراجعها حتى تحيض حيضة أخرى مستقبلة، سوى حيضتها التي طلقها فيها" وعلى هذا تحمل الروايات التي لم تذكر الحيضة الثانية، حيث إن القضية واحدة، كالرواية السادسة، وفيها "مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً" والرواية التاسعة، وفيها "فأمره أن يراجعها، حتى يطلقها طاهرًا من غير جماع" والرواية العاشرة، وفيها "ليراجعها، فإذا طهرت فإن شاء فليطلقها" والحادية عشرة، وفيها "مره فليراجعها، فإذا طهرت فليطلقها لطهرها" والثانية عشرة، وفيها "مره فليراجعها، ثم إذا طهرت فليطلقها" والرابعة عشرة، وفيها "ليراجعها ... وإذا طهرت فليطلق أو ليمسك".
فتحمل هذه الروايات على أن فيها طيًا وحذفًا، وأن ابن عمر أمر بالإمساك حيضة أخرى، وإن لم يشترط ذلك عامة الفقهاء، وسيأتي توضيحه في فقه الحديث.
(ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس) أي قبل أن يجامع، وفي الرواية الثانية "فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها" وفي الرواية الثالثة "فإذا طهرت فليطلقها قبل أن يجامعها، أو يمسكها" وفي الرواية الرابعة "ثم يطلقها قبل أن يمسها" أي إن شاء، وفي الرواية الخامسة "فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا من حيضتها، قبل أن يمسها".
(فتلك العدة التي أمر اللَّه - عز وجل - أن يطلق لها النساء) أي فتلك التطليقة التي تستقبل بها المرأة عدتها من غير تطويل عليها، والتي أمر الله بها في قوله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن} وفي الرواية الرابعة عشرة "قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} بضم القاف والباء - أي وقت استقبال عدتهن، قال النووي: هذه قراءة ابن عباس وابن عمر، وهي شاذة، لا تثبت قرآنًا بالإجماع. اهـ. والآية تنادي النبي صلى الله عليه وسلم وتعم المخاطبين بالحكم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إمام أمته، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان. افعلوا كيت وكيت. وقيل: الخطاب كالنداء، له صلى الله عليه وسلم، إلا أنه اختير ضمير الجمع "إذا طلقتم" للتعظيم.
وقوله {إذا طلقتم النساء} فيه مجاز المشارفة، أي إذا أردتم تطليقهن، وأشرفتم على ذلك، ففيه تنزيل المشارف للفعل منزلة المباشر له، ولولا هذا المجاز لم يستقم الكلام، إذ يكون لطلب تحصيل الحاصل. واللام في {فطلقوهن لعدتهن} على القراءة المتواترة لام التوقيت، أي فطلقوهن لوقت عدتهن، أو مستقبلات عدتهن، أي في الوقت الذي يحتسب من عدتهن، والحيض الذي تطلق فيه لا يحتسب من العدة باتفاق، فالمطلوب طلاقها في

الصفحة 57