كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 6)

حتى تحيض حيضة أخرى، ثم تطهر، لتكون الرجعة للإمساك، لا للطلاق، قال الحافظ ابن حجر: ويؤيد ذلك أن الشارع أكد هذا المعنى حيث أمر أن يمسكها في الطهر الذي يلي الحيض الذي طلقها فيه، فإذا كان قد أمره بأن يمسكها في ذلك الطهر، فكيف يبيح له أن يطلقها فيه؟
السادسة: لو طلقها في الحيض. هل تحسب هذه التطليقة عليه؟ ظاهر الروايات أنها تحسب عليه تطليقة، ففي الرواية الثالثة "ما صنعت التطليقة؟ قال: واحدة أعتد بها" وفي ملحق الرواية الخامسة "وكان عبد الله طلقها تطليقة واحدة، فحسبت من طلاقها" وفي رواية "قال ابن عمر: فراجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقتها" وفي الرواية التاسعة "أتعتد بتلك الطلقة؟ فقال: فمه؟ أو إن عجز واستحمق"؟ وفي الرواية العاشرة "أفاحتسبت بها؟ قال: ما يمنعه؟ أرأيت إن عجز واستحمق؟ وفي الرواية الحادية عشرة "فاعتددت بتلك التطليقة التي طلقت وهي حائض؟ قال: ما لي لا أعتد بها؟ وإن عجزت واستحمقت".
قال النووي: وبه قال العلماء كافة، وشذ بعض أهل الظاهر، فقال: لا يقع طلاقه، لأنه غير مأذون له فيه، فأشبه طلاق الأجنبية. قال النووي: والصواب الأول، ودليلهم الأمر بالرجعة، ولو لم يقع لم تكن رجعة، فإن قيل: المراد بالرجعة الرجعة اللغوية، وهي الرد إلى حالها الأول، لا أنه تحسب عليه طلقة. قلنا: هذا غلط لوجهين. أحدهما: أن حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية يقدم على حمله على الحقيقة اللغوية، كما تقرر في علم أصول الفقه، الثاني: أن ابن عمر صرح في روايات مسلم وغيره بأنه حسبها طلقة. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: كأن النووي أراد ببعض الظاهرية ابن حزم، فإنه ممن جرد القول بذلك، وانتصر له، وبالغ، وأجاب عن أمر ابن عمر بالمراجعة بأن ابن عمر كان اجتنبها، فأمره أن يعيدها إليه على ما كانت عليه من المعاشرة، فحمل المراجعة على معناها اللغوي، وأجاب عن قول ابن عمر: حسبت على تطليقة بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن حجر: وقد وافق ابن حزم على ذلك من المتأخرين ابن تيمية، وله كلام طويل في تقرير ذلك، والانتصار له، وأعظم ما احتجوا به ما وقع في رواية أبي الزبير [روايتنا الرابعة عشرة] "ليراجعها، فردها، وقال: إذا طهرت فليطلق أو يمسك" لفظ مسلم، ولفظ أبي داود" فردها علي" وزاد أبو داود "ولم يرها شيئًا" قال أبو داود: روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة، وأحاديثهم كلها على خلاف ما قاله أبو الزبير، وقال ابن عبد البر: قوله "ولم يرها شيئًا" منكر، لم يقله غير أبي الزبير، وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بمن هو أثبت منه؟ ولو صح فمعناه عندي - والله أعلم - ولم يرها شيئًا مستقيمًا، لكونها لم تقع على السنة. وقال الخطابي: قال أهل الحديث: لم يرو أبو الزبير حديثًا أنكر من هذا، وقد يحتمل أن يكون معناه لم يرها شيئًا تحرم معه المراجعة، أو لم يرها شيئًا جائزًا في السنة، ماضيًا في الاختيار، وإن كان لازمًا له مع الكراهة، ونقل البيهقي في "المعرفة" عن الشافعي أنه

الصفحة 62