كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 6)

وقد نشر ابن سديرة رسالة ترجع إلى سنة 1881 موجهة من هذا التاجر إلى ماسكري. وجاء فيها أنه دائما في خدمة الدولة (الفرنسية) وأنه صاحب المتصرف الإداري هناك، ويفتخر بصحبته لماسكري. ومما جاء في الرسالة أخبار عن الشعانبة على أنهم سيثورون (ينافقوا) في أكتوبر 1881، ولعله كان يشير بذلك إلى ثورة بوعمامة. لكن الرسالة تذكر شخصا إسمه أحمد، هرب من بريان بعد أن قبض عليه المخزن. ويطلب من ماسكري أن يعلمه عن هدف المحلة (الفرقة العسكرية) المتوجهة نحو الصحراء ودوافعها. ونعرف من الرسالة أن هذا التاجر المراسل الذي يتولى الوساطة في مركز حساس مثل قصر البخاري، كان يملك دكانا كبيرا، هو وإخوته الأربعة. وهو تاجر في القماش وغيره (¬1).
ويبدو أن ماسكري كان من الممهدين لاحتلال ميزاب بعد زيارتها. ذلك أن مترجميه يقولون إنه قام سنة 1882 (عهد لويس تيرمان) بزيارة هذه المنطقة تمهيدا لاحتلالها. وجاء منها بمؤلفات، وترجم بعضها. ويقولون عنه إنه خدم الجزائر (الفرنسية) بكل قواه، في تعليمه وفي كتاباته. وقد بين أن الثقافة الحقيقية لها دور تلعبه في خدمة الدولة المستعمرة، وهو دور عظيم في بلاد مثل الجزائر عندئذ. ويقول أوغسطين بيرنار الذي توسع في ترجمة ماسكري: إنه بعد أن ملكت فرنسا الجزائر بالسيف والمحراث (وهو تعبير استعمله بوجو)، يجب أن يأتي الامتلاك الآخر، الامتلاك بالقلم والكلمة، وهو دور ماسكري ودور المجلة الإفريقية، والدور الذي (لا يمكن أن ننسحب منه دون أن نكون قد تخلينا عن واجباتنا) وأضاف بيرنار بأن دور ماسكري في ذلك لا يقل عن دور الضباط والإداريين المخلصين لفرنسا. وقد كان بيرنار صادقا في ذلك، ويصدق وصفه أيضا على كل مستشرق فرنسي.
هذا هو ماسكري الفرنسي الذي عمل ما في وسعه ليمتلك الجزائر لفرنسا، لا بالسيف ولا بالمحراث، ولكن بالقلم والكلمة. وفي كتابه
¬__________
(¬1) بلقاسم بن سديرة (كتاب الرسائل)، ص 216.

الصفحة 36