جماعية من الجزائر. وقد أعطى أوغسطين بيرك تواريخ بارزة للهجرة إلى الشرق. وكانت الأسباب ترجع في نظره إلى الغيرة والخوف على الدين، والغضب من القضاء على الصناعات المحلية وطغيان الصناعات الأوروبية، والخوف من فرض التجنيد، الخ (¬1).
أما الهجرة إلى فرنسا فتاريخها يرجع إلى أوائل القرن العشرين فقط، وكان منطلقها في البداية هو زواوة، وأسبابها، كما يقول الفرنسيون ديموغرافية، واقتصادية، بخلاف الهجرة نحو المشرق فأسبابها، كما عرفنا، كانت سيكولوجية واقتصادية ودينية. ففي آخر القرن الماضي زاد عدد السكان الجزائريين كما زاد عدد المهاجرين إلى المدن من الأرياف، فوجدوا نقصا في المواد الصناعية والاقتصادية والاجتماعية لاستقبالهم. فقصد بعضهم جنوب فرنسا، ثم رجعوا إلى الجزائر يقصون مشاهداتهم على الآخرين، فأخذ العدد يتكاثر كل سنة بين 1906 و 1914 حتى كانت الحرب العالمية فجندت فرنسا كثيرا من العمال ونقلتهم إلى الجبهة الأوروبية. وهكذا، فمن حوالي خمسة آلاف عامل مهاجر سنة 1912 إلى أكثر من 78 ألف عامل مهاجر سنة 1918 (¬2). ولكن مسألة الهجرة إلى فرنسا لا تهمنا هنا رغم عواقبها السياسية والاقتصادية والثقافية.
ومنذ أوائل هذا القرن أصبح بعض الجزائريين يهاجرون من أجل العلم ثم العودة في غالب الأحيان. لقد لاحظ محمد بيرم خلال السبعينات أن طلب العلم كان أحد أسباب الهجرة التي لا يعود أصحابها بعدها إلى الجزائر. أما المهاجرون في طلب العلم منذ القرن العشرين فكانوا غالبا
¬__________
(¬1) أوغسطين بيرك مجلة (هيسبريس)، 1948، ج 35، ص 16. ولا يذكر الفرنسيون إلا قليلا قوانين انتزاع الأراضي الباقية من الجزائريين منذ 1871 وهجرة الألزاسيين إلى الجزائر، وكلها ساهمت في حالة الفقر.
(¬2) جان قانياج (شؤون شمال إفريقية)، 1930 - 1956، باريس، 1972. وكذلك ج. ج. راجي Ragie (المسلمون الجزائريون) في (مجلة البحر الأبيض)، عدد 2، سنة 1950، وصفحات المقال كله 169 - 190.