كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 6)

بالإضافة إلى مركز العاصمة ظهر في المناطق الأخرى علماء ومترجمون فرنسيون وجدوا أنفسهم بإنتاجهم في عمق حركة الاستشراق التي تنطلق من العاصمة. ومن هؤلاء غوستاف موتيلانسكي، الذي تمركز نشاطه في قسنطينة. فهو من المترجمين البارزين في بداية حياته. ثم أصبح من المستشرقين لبحوثه في المذاهب واللهجات، وكان من المستكشفين للصحراء، إذ قام بعدة جولات وبعثات. ثم إنه من مواليد الجزائر في بيئة عربية محافظة وإسلامية عريقة.
ولد موتيلانسكي في مدينة معسكر سنة 1854، وبعد أن شب درس في ليسيه الجزائر ثم مارس فيها التدريس بعد ذلك. ثم دخل امتحان الترجمة في النطاق العسكري. فهو ليس من المستشرقين المحترفين. وبهذه الصفة اشتغل في عدة أماكن من الجزائر شرقا ووسطا وغربا وجنوبا، بل عمل في تونس أيضا. وعند احتلال ميزاب أرسل إليها ليكون المترجم العسكري هناك، وقد بقي خمس سنوات سمحت له بدراسة العادات والتقاليد والتعرف على العلماء والمكتبات، وكان يعرف العربية الفصحى والدارجة. وأضاف إلى ذلك دراسة البربرية في ميزاب ولهجاتها الأخرى في الصحراء، وبحيث في المذهب الإباضي وجمع وثائقه، وفي تاريخ المنطقة وعلاقاتها بإفريقيا. وقد نشر بحوثا عديدة في هذا الميدان أدخله إلى الاستشراق من بابه الواسع.
وفي سنة 1887 عين موتيلانسكي مديرا لمدرسة قسنطينة الشرعية - الفرنسية (الكتابة). وكان من شيوخها الجزائريين عندئذ عبد القادر المجاوي ثم تلميذه ابن الموهوب ومحمود الشاذلي. وكان رئيس كرسي (حلقة) اللغة العربية بها هو مارتان الذي توفي سنة 1889 فخلفه فيه موتيلانسكي وأصبح يجمع بينه وبين الإدارة. وهو الكرسي الذي عرفنا أنه كان موجها لعموم الفرنسيين وليس للجزائريين. وأثناء وجوده في ميزاب وفي قسنطينة ربط موتيلانسكي علاقات مع رجال الدين والعلم في الناحية الشرقية والصحراء. فهو ليس موظفا عاديا يكتفي بالحضور اليومي ثم يعود إلى بيته

الصفحة 38