كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 6)

مسلولا على رؤوسهم، ووسائل الاتصال مع المشرق محدودة. ومع ذلك نبه بعض الجزائريين منذ 1914 إلى خطورة الحركة الصهيونية، على مستقبل العرب والمسلمين.
فقد نشرت مجلة (المنار) التي كان يصدرها الشيخ رشيد رضا من مصر، خبرا خيرت فيه العرب والمسلمين بين الاتفاق مع الصهيونيين أو مقاومتهم بكل الوسائل، بما فيها حرب العصابات. وجعلت العنوان هو (المسألة الصهيونية). فعلقت جريدة (ذو الفقار) التي كان يصدرها عمر راسم، على ذلك بقولها إن على زعماء العرب والمسلمين مقاومة الصهيونية. ومن رأي عمر راسم أن (اتفاق زعماء العرب ... مع زعماء اليهود مستحيل، لأنه اعتراف بزعامة اليهود ورضا بمشاركة هؤلاء الأجانب في بلاد اشترتها آباؤهم (أي العرب والمسلمين) بدمائهم الطاهرة. فلا يحق لغير العرب ... أن يملك تلك الأرض ولا غير راية الإسلام أن تخفق عليها ما دام في عرق العرب دم وفي أجسام المسلمين روح). وتحدث مقال (ذو الفقار) عن انقسام الدولة العثمانية (وقد تسربت إليها الحركة الصهيونية، كما أصبح معروفاه الآن)، كما تحدث عن نشاط اليهود في فلسطين وعن دعم أوروبا لهم، وهو لا يقصد كل أوروبا بالطبع. وتنبأ عمر راسم بأن بقاء القيادة التركية التي باعت طرابلس (مثل جاويد وحقي وكاسو) سيوقع الدولة العثمانية نفسها لا محالة (في مخالب اليهود يوما ما) (¬1).
ولم تكن صيحة عمر راسم هي الوحيدة الصادرة من الجزائر، ولكنها كانت هي الصيحة المبكرة والواضحة. وفي كتابات ابن باديس والإبراهيمي والمدني والعقبى وأضرابهم صيحات وإنذارات أخرى في أوقات لاحقة. ولكن ذلك كان لا يجدي أمام الدعم السياسي الإنكليزي والدعم المالي
¬__________
(¬1) العدد 4 من جريدة (ذو الفقار)، 28 يونيو 1914، عن قنان (نصوص)، ص 295. انظر أيضا ترجمتنا لبحث (الحركة الصهيونية وجماعة تركيا الفتاة) في كتابنا (في الجدل الثقافي)، ط. دار المعارف، تونس، 1993.

الصفحة 406