كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 6)

والفنون، وممارسة الفضائل. وجاء في بند آخر أن على الأعضاء الالتزام بالأخلاق الكريمة والعقلنة من أجل السعادة البشرية. ونص أحد البنود أيضا على أن الوصول إلى ذلك يستلزم احترام الضمير الفردي وتوظيف الدعاية السلمية من أجل إضاءة الروح والانسجام القلبي. ويدعى أحد البنود أيضا أن الماسونية لا تحاسب العضو فيها على قناعته حول الأديان بل إنها تمنع في اجتماعاتها النقاش في المسائل الدينية منعا باتا. وسنرى أن هذا الموقف غير صحيح دائما. كما يدعي أن الماسونية لا تسمح بمناقشة المسائل السياسية في اجتماعاتها، ولا تتدخل مباشرة في تطبيق النظريات السياسية وأشكال الحكومات المختلفة وتأثيرها على الأوضاع القائمة. والماسونية تطلب، حسب بعض بنودها، من المنتمين إليها احترام القوانين السائدة في البلدان التي يقطنونها. كما تلزم الماسونية أيضا أعضاءها بالعمل، كل حسب طاقته، لأنها تعتبر العمل من واجبات القوانين الإنسانية. والمطلوب من كل عضو ماسوني أن يقدم لغيره المساعدة في مختلف المناسبات.
هذه مبادئ وتعاليم عامة للماسونية، وهي تبدو إنسانية، ومن ثمة فهي لا تختلف كثيرا في المعاملات عن تعاليم الأديان. وتبدو الماسونية في هذا الشكل مغرية للفئات المؤمنة بالحرية والأخلاق والإنسانية وحرية الضمير الفردي والتسامي في الفضائل والعمل من أجل السعادة العظمى في هذه الدار. ورأينا أن الماسونية تقطع كل عرق للخلافات المفرقة بين الأعضاء كالنقاش الديني والسياسي. وهذا أيضا وجه آخر من أوجه الانسجام والأخوة.
غير أن الماسونية النظرية غير الماسونية العملية. ذلك أنها من الناحية العملية كانت لا تختلف عن بعض النظريات والمذاهب الأخرى كالرومانتيكية والمثالية (السانسيمونية) والحركة الإنسية وحتى الليبرالية. فقد كان أعضاؤها يؤمنون بالاستعمار ويزكونه وينتصرون إليه، وما رأيك في أن المارشال بوجو كان عضوا شرفيا في الماسونية. وأن الاستعماري الكبير البارون دي فيالار كان عضوا بارزا فيها. وهناك الكثير من الأعضاء كانوا في الإدارة الاستعمارية والبلديات والتجارة والجيش، بل إن معظم المؤسسين لفرع الجزائر

الصفحة 408