كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 6)

غير ما مرة، رغم أنهم استعملوا وصف (المتعمب) لكل ثائر ضدهم. وكلمة (فانتيك) التي تعني المتعصب كانوا يرمون بها الثائرين والسياسيين أكثر مما كانوا يرمون بها رجال الدين أو المواطنين العاديين. وقد اندهش الفرنسيون من استسلام الجزائريين للأمر الواقع عندما أخذ الفرنسيون فؤوسهم ومعاولهم وأسقطوا جامع السيدة بالعاصمة، وكانوا يرددون همسا، كلمة (مكتوب). وكذلك كان رد فعل الجزائريين عندما حول الفرنسيون جامع كتشاوة إلى كنيسة. وقالوا إن القسيس (سوشي) قد قدم إليه الأهالي الكرسي والزربية عندما حول جامع سوق الغزل إلى كنيسة في قسنطينة. كل هذه وغيرها دليل في نظر هؤلاء الكتاب على (تسامح) الجزائريين. وهو في الواقع خضوع للقوة والجبروت فقط وليس تسامحا ورضى بالاغتصاب والقهر.
وفي هذه الحالة يصبح المتعصبون هم الفرنسيين. فهم الذين اعتدوا على حرمات المساجد رغم تعهدهم الرسمي باحترام الدين الإسلامي. وقد نصبوا كنيستهم في قلب أحد المساجد بالعاصمة. ونادوا باستعادة الكنيسة الإفريقية القديمة. وأخذوا ينصرون السكان بكل قواهم وإمكاناتهم. وكانوا يتعرضون بالأذى والشتم للإسلام ولنبيه وقرآنه. رغم أنهم كانوا يقولون إنهم متحضرون بينما الجزائريون غارقون في البداوة وفي حاجة إلى جهود لإدخالهم في الحضارة. والغريب أن أحد كتابهم يقول: إن الآباء النصرانيين والقساوسة كانوا لا يتدخلون في شؤون المسلمين إلا عن طريق أفعال الخير (؟) وتمتين الصداقة مع الأيمة والمفتين. أما محاولة فصل البربر ومباركة تزوج رجال الدين المسلمين بفرنسيات، كما فعل لافيجري مع أوريلي التجاني، فذلك في نظر هذا الكاتب من أفعال الخير.
وقد وجدنا جزائريين اعتنقوا المسيحية بينما لا نكاد نجد من اعتنق الإسلام من الفرنسيين. فهل هذا راجع أيضا إلى التسامح الإسلامي أو إلى أفعال الخير التي كان يقوم بها رجال وأخوات الكاردينال لافيجري؟ من الجزائريين الذين اعتنقوا المسيحية أفراد نشأوا أيتاما نتيجة المجاعة التي حدثت في آخر الستينات من القرن الماضي. وقد تعرضنا إلى ذلك في فصل

الصفحة 430