كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 6)

فذلك سر لا يعلمه إلا الله الذي {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} (¬1). ومهما كان الأمر فإن دينيه قد توفي في فرنسا، ودفن في بوسعادة سنة 1930. وحضر تأبينه أعيان المسلمين، ومنهم الطيبب العقبي وأحمد توفيق المدني. ويعتقد فيه الناس عقائد مختلفة.
وأما نصف الفرنسي الذي اعتنق الإسلام فهو توماس أوربان الذي تسمى (إسماعيل عربان). وكان من أتباع مذهب سان سيمون. وقد ذهب إلى مصر قبل الجزائر، واطلع على حياة الشرق واعتنق هناك الإسلام. ثم جاء إلى الجزائر وأصبح من المترجمين البارزين في الإدارة الفرنسية، وارتقى حتى أصبح مترجم الامبراطور نابليون الثالث. وألف عدة كتب ومقالات ودافع عن الجزائريين ضد الاستغلال الفاحش، ولكنه لم يعارض الاستعمار كوسيلة حضارية. وكان عربان هجينا من أب فرنسي وأم أهلية من كايان حيث ولد. وفي الجزائر تزوج عربان من امرأة مسلمة من قسنطينة. وعاش معها طويلا وأنجب منها بنتا. وقد مرضت زوجته وهي عنده ثم توفيت. ثم ظهر له الزواج من امرأة فرنسية فاشترطت عليه الرجوع إلى المسيحية فرجع وتزوجها في مراحل حياته الأخيرة. ولذلك قلنا إنه كان نصف مسلم.
ولكن أمثال ليون روش في الإسلام كانوا موجودين. فقد ادعى روش للأمير والجزائريين أنه اعتنق الإسلام، كما ذكرنا، فانخدعوا فيه. واعتبروه منهم لتسامحهم الطبيعي الساذج. ويذكر ادريان بيربروجر أنه عندما قابل الأمير في نهاية سنة 1837 في برج حمزة طلب منه إعادة الشاب الهارب إليه (يقصد ليون روش) لأن والده حزين عليه، فرفض الأمير بصلابة أن يسلم مسلما هرب إليه وهو يقول (لا إله إلا الله)، لأن ذلك مخالف للشريعة الإسلامية (¬2). ولم يبق روش بعد ذلك سوى سنة ونصف أخرى، ثم هرب من عند الأمير، ورجع إلى قومه بعد أن أدى دوره باتقان. وثمة جنود فرنسيون اعتنقوا الإسلام لينتقموا من بعض كبارهم، كما حدث للجندي
¬__________
(¬1) الآية 19 من سورة غافر.
(¬2) بيربروجر (رحلة إلى معسكر الأمير)، ط. 1839. وقد ترجمناها إلى العربية.

الصفحة 432