كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 6)
...............................................................................................
ـــــــ
يدخل في حده للبيع السلم في ثمر حائط بعينه مع أنه يسمى سلما، ويدخل فيه بعض أنواع الصلح كما لو صالح عن دين له من ذهب أو فضة بعوض يساوي ذلك أو يقاربه بزيادة أو نقص، والظاهر أيضا أن قوله: ولا متعة لذة مستغنى عنه بقوله: على غير منافع كما تقدم في كلام المازري وابن بشير والله أعلم. وقال البرزلي بعد ذكره كلام ابن عرفة ظاهر هذه الاعتراضات وأجوبتها يدل على طلب حقيقة الشيء وماهيته في هذا الباب وغيره، وحقائق الأشياء لا يعلمها إلا الله فهو المحيط بها من جميع الجهات فهو العالم بما يحصلها، والمطلوب في معرفة الحقائق الشرعية وغيرها إنما هو ما يميزها من حيث الجملة عما يشاركها في بعض حقائقها حتى يخرج عنها ما يسري إلى النفس، مثل أن يقال: ما الإنسان، فيقال: منتصب القامة فيحصل تمييزه عن باقي الحيوانات التي يسرع إلى النفس دخولها لا كل حقيقة غيره؛ لأنه يدخل عليه الحائط والعمود وكل منتصب القامة لكن لما كان غير مقصود في هذا الكلام لم يقع الاحتراز منه، قال بعض حذاق المنطقيين: وهذا المعنى كثيرا ما يقع من حكماء المتقدمين قصدهم التمييز على ما يحصل التمييز في النفس، ولو بأدنى خاصية فيعترض عليهم المتأخرون لاعتقادهم أنهم يأتون بالحقائق التي تشتمل على جميع الذاتيات، وهم لا يقصدون ذلك لأنه لا يعلم حقائق الأشياء إلا الله سبحانه، وكذلك أشار إليه ابن البناء في رفع الحجاب في بعض رسوم التلخيص فكل من عرف البيع بما عرفه به إنما هو تصور معرفته من حيث الجملة لا تحصل معرفته بجميع الذاتيات فالاعتراض عليهم ضعيف والله أعلم ا هـ.
وبعضهم يقسم البيع الأعم ويزيد في التفصيل في بيع المنافع فيقول: لا يخلو إما أن يكون بيع أعيان أو بيع منافع، والمنافع على قسمين: منافع جماد وهو المترجم له بأكرية الدور والأرضين، ومنافع حيوان. والحيوان على قسمين: حيوان لا يعقل وهو المترجم له بأكرية الرواحل والدواب، وحيوان يعقل. وهو على قسمين: إما أن تكون المنفعة متعلقة بالفروج، وهو النكاح والخلع أو بغير الفروج، وهو الجعل والإجارة، ويشبه أن يكون هذا هو الجاري على اصطلاحه في المدونة؛ فإنه ذكر التراجم المذكورة إلا أنه بقي عليه من التقسيم منافع العرض، ويسمى ذلك غالبا إجارة، وبيع الأعيان ينقسم إلى أقسام كثيرة من حيثيات متعددة، فينقسم من حيث تأجيل أحد عوضيه أو كليهما إلى أربعة أقسام؛ لأنه إن لم يكن فيها تأجيل فهو بيع النقد، وإن تأجلا معا ابتداء فهو الدين بالدين، وهو ممنوع كما سيأتي بيانه في البيوع المنهي عنها، وإن تأجل الثمن فقط فهو البيع إلى أجل، وإن تأجل المثمون فقط فهو السلم، وينقسم من حيث كون أحد عوضيه ذهبا أو فضة إلى ثلاثة أقسام: بيع العين بالعين، وبيع العرض بالعرض، وبيع العرض بالعين. وينقسم بيع العين بالعين إلى ثلاثة أقسام؛ لأنه إن اختلف جنس العوضين كذهب وفضة وعكسه فهو الصرف، وإن اتحدا فإن كان
الصفحة 9
669