كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 6)

من شيء فهو بينهما، فهذه الشركة جائزة، وقد تكون هذه الشركة مفاوضة عند استجماع شرائطها على ما ذكرنا، وقد تكون عناناً.

وطريق جواز هذه الشركة: أن يجعل كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه بتقبل العمل له، والتوكيل بتقبل العمل له جائز، ولأجل هذا المعنى قلنا: تصح هذه الشركة اتفقت أعمالهما، بأن اشترك قصاران أو خياطان أو اختلفت بأن اشترك خياط وحناط، وقال زفر: إن اختلفت أعمالهما لا تصح؛ لأن كل واحد منهما عاجز عن العمل الذي تقبله صاحبه، فإن ذلك ليس من عمله، فلا يحصل ما هو المقصود من عقد الشركة، ولكننا نقول: جواز هذه الشركة من حيث التوكيل بتقبل العمل، والتوكيل بتقبل العمل صحيح ممن يحسن ذلك العمل، وممن لا يحسن؛ وهذا لأنه لا يتعين على المتقبل إقامة العمل بنفسه بل له أن يقيم بأعوانه وأجرائه، وكل واحد منهما غير عاجز عن ذلك، وفي العنان من هذه الشركة يجوز شرط التفاضل في المال المستفاد بالعمل مع اشتراط التساوي في العمل، وإنما يصح اشتراط التفاضل في المال المستفاد بالعمل إذا شرطا التفاضل في العمل؛ وهذا لأن استحقاق الكسب باشتراط العمل والتقبل دون نفس العمل.
ألا ترى أنه لو عمل أحدهما دون الآخر كان الأجر بينهما على ما اشترطا، ويصير العامل كالمعين لصاحبه على إيفاء ما صار مستحقاً عليهما من العمل بعقد الشركة إذا ثبت أن استحقاق الأجر بتقبل العمل، فإنما يستحق كل واحد منهما من الأجر بقدر ما عليه من العمل، ثم في شركة التقبل إذا لم يتفاوضا لكن اشتركا شركة مطلقة، فدفع رجل إلى أحدهما عملاً، فله أن يأخذ بذلك العمل أيهما شاء، ولكل واحد منهما أن يطالب بأجرة العمل، وإلى أيهما دفع برىء بمنزله المتفاوضين عند أبي حنيفة رضي الله عنه استحساناً، قال هشام: أخبرنا محمد بذلك وهو قول محمد، وكذلك قول أبي يوسف.

قال أبو الفضل في «المنتقى» وكذا روى بشر بن الوليد عن أبي يوسف من قوله وقول أبي حنيفة، وزاد فيه إذا جنت يد أحدهما، فالضمان عليهما يأخذ صاحب العمل أيهما شاء بجميع ذلك، فقد اعتبرت هذه الشركة مفاوضة في حق هذه الأحكام مع أنهما لم يتفاوضا، وهذا استحسان أخذ به علماؤنا رحمهم الله؛ لأن هذه الشركة مقتضية للضمان، فإن ما يتقبله كل واحد منهما مضمون على الآخر، ولهذا يستحق الأجر بسبب نفاذ تقبله عليه، فأجروها مجرى المفاوضة في حق ضمان العمل واقتضاء البدل، وفيما عدا ذلك لم يثبتوا معنى المفاوضة في حق ضمان العمل حتى قالوا: إذا أقر أحدهما بدين من ثمن صابون، أو أشنان مستهلك، أو أجر أجير، أو أجرة تثبت لمدة مضت لم يصدق على صاحبه إلا ببينته، وسيأتي بيان هذا الأحكام، والفرق بين المفاوضة والعنان فيما بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وإذا أقعد الصانع معه رجلاً في دكانه يطرح عليه العمل بالنصف جاز استحساناً لتعامل الناس ذلك من غير نكير منكر؛ ولأن بالناس حاجة إلى ذلك، فالعامل قد يدخل بلدة لا يعرفه أهلها، ولا يأمنونه على متاعهم، وإنما يأمنون على متاعهم صاحب الدكان

الصفحة 10