كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 6)

الأئمة السرخسي في «شرحه» : تأويل هذا أن أكثر الناس لا يعرفون جميع أحكام المفاوضة قائماً مقام ذلك كله، فإن (كان) المتعاقدان يعرفان أحكام المفاوضة صح العقد بينهما إذا ذكرا معنى المفاوضة وإن لم يصرحا بلفظها؛ لأن العبرة للمعنى دون اللفظ.
ومنها: أن تكون عامة في عموم التجارات؛ إليه أشار محمد في «الكتاب» وذكر شيخ الإسلام في آخر باب شركة المفاوضة أنها لا تجوز في نوع خاص أيضاً.
ومنها: أن يكون كل واحد منهما من أهل الكفالة؛ بأن كانا بالغين عاقلين حرين؛ لأن حكم هذه الشركة صيرورة كل واحد منهما من أهل الكفالة بأن كانا بالغين عاقلين حرين؛ لأن حكم هذه الشركة صيرورة كل واحد منهما كفيلاً عن صاحبه فيما يلحقه من ضمان التجارات فيهما على ما يتبين بعد هذا إن شاء الله تعالى.

ومنها: أن رأس مالهما على السواء من حيث القدر؛ إن كانا من جنس واحد ونوع واحد، وإن كانا من جنسين مختلفين نحو الدراهم والدنانير، أو كانا من جنس واحد؛ إلا أنه اختلف نوعهما؛ نحو المكسور مع الصحاح؛ يشترط مع ذلك التساوي في القيمة، وإنما شرطنا التساوي في رأس المال في هذه الشركة عملاً بقضية لفظ المفاوضة، فإن المفاوضة مشتقة من المساواة، وعن هذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف في رواية: إن المفاوضة لا تجوز إذا كانا من رأس مال أحدهما دراهم، والآخر دنانير؛ لأن المساواة بين الدراهم، والدنانير إنما تكون بالقيمة.
وطريق معرفة ذلك بالحزر والظن، وفي ظاهر الرواية يجوز؛ لأن الجنس واحد من حيث المعنى.
ولو كان لأحدهما دراهم بيض، وللآخر سود، وبينهما فضل فيه لم تصح المفاوضة في المشهور من الرواية، وعن أبي يوسف أنه يجوز؛ لأنه لا قيمة للجودة في الأموال الربوية عند مقابلتها بجنسها.
ومن جملة ذلك: أن يستويا في الربح، وأن لا يكون لكل واحد منهما من المال الذي يجوز عليه عقد الشركة سوى رأس المال الذي شارك به صاحبه ابتداءً، وإنها على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
ثم إذا صحت الشركة بالمال، فإن كان مفاوضة صار كل واحد منهما كفيلاً عن صاحبه فيما يلزمه من ضمان التجارات، وما يجوز أن يكون واجباً بالتجارة، وما يشبه ضمان التجارة، ويصير كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه فيما وليه صاحبه من التجارات، فيكون مخاصماً فيما وليه صاحبه بحكم الوكالة، فيكون مخاصماً منه بحكم الكفالة، ويصيران في جميع أحكام التجارة بمنزلة شخص واحد، وإنما فعلنا هكذا لما ذكرنا أن اللفظ يقتضي التساوي فيجب اعتبار التساوي في جميع ما يجب لهما وعليهما فيما يجوز أن يكون داخلاً تحت الشركة.

وإن كانت الشركة عناناً يصير كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه في عقود التجارات، ولا يكون كل واحد وكيلاً عن صاحبه في استيفاء ما وجب بعقد صاحبه.

الصفحة 8