كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 6)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(بَاب هَل يلْتَفت لأمر ينزل بِهِ أَو يرى شَيْئا أَو بصاقا فِي الْقبْلَة)
-
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: هَل يلْتَفت ... إِلَى آخِره، أَي: هَل يلْتَفت الْمُصَلِّي فِي صلَاته لأمر ينزل بِهِ مثل مَا إِذا خَافَ من سُقُوط جِدَار أَو قصد حَيَّة أَو سبع لَهُ؟ قَوْله: (أَو يرى شَيْئا) قدامه أَو من جِهَة يَمِينه أَو من جِهَة يسَاره، وَلَيْسَ هُوَ بمقيد أَن يكون من جِهَة الْقبْلَة فَقَط، لِأَنَّهُ لَا يلْزم تَقْيِيد الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بِمَا هُوَ قيد فِي الْمَعْطُوف. قَوْله: (أَو بصاقا) عطف على: شَيْئا، تَقْدِيره: أَو رأى بصاقا فِي جِهَة الْقبْلَة فَالْتَفت إِلَيْهِ، وَجَوَاب: هَل، مَحْذُوف تَقْدِيره: يلْتَفت، لدلَالَة مَا فِي الْبَاب عَلَيْهِ.
وَقَالَ سَهْلٌ التَفَتَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَرَأى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مطابقته لقَوْله فِي التَّرْجَمَة: (أَو يرى شَيْئا) فَإِن أَبَا بكر الْتفت لما رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسَهل هُوَ: ابْن سعد بن مَالك الْأنْصَارِيّ الخزرجي، هُوَ وَأَبوهُ صحابيان. وَهَذَا أخرجه البُخَارِيّ فِي: بَاب من دخل ليؤم النَّاس، من رِوَايَة أبي حَازِم عَنهُ فِي إِمَامَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
753 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ نَافِعٍ عَن ابْن عُمَرَ أنَّهُ قَالَ رَأى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَهْوَ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيِّ النَّاسِ فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ انْصَرَفَ إنَّ أحَدُكُمْ إذَا كانَ فِي الصَّلاَةِ فإنَّ الله قَبِلَ وَجْهَهُ فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ أحَدٌ قِبَلَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الْجُزْء الثَّالِث مِنْهَا، وَهُوَ قَوْله: (أَو بصاقا) . فَإِن قلت: الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة البصاق، وَفِي الحَدِيث النخامة، وَأَيْنَ التطابق؟ قلت: الْمَقْصُود مُطَابقَة أصل الحَدِيث، فَإِنَّهُ أخرج حَدِيث نَافِع عَن ابْن عمر هَذَا أَيْضا فِي: بَاب حك البزاق بِالْيَدِ من الْمَسْجِد، وَلَفظه: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى بصاقا فِي جِدَار الْقبْلَة فحكه) . الحَدِيث، وَلِأَن حكم البصاق والنخامة وَاحِد من حيثية تعين إزالتهما على أَن الصَّحِيح أَن النخامة هِيَ الفضلة الْخَارِجَة من الصَّدْر، وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِي الْأَبْوَاب الَّتِي فِيهَا حك البزاق بِالْيَدِ، وحك النخامة بالحصى، فَقَوله: (وَهُوَ يُصَلِّي) جملَة حَالية. قَوْله: (بَين يَدي النَّاس) ، قَالَ بَعضهم: هَذَا يحْتَمل أَن يكون مُتَعَلقا بقوله: (وَهُوَ يُصَلِّي) أَو بقوله: (رأى نخامة) . قلت: ظَاهر التَّرْكِيب يَقْتَضِي تعلقه بقوله: (وَهُوَ يُصَلِّي) لِأَن الْعَامِل فِي الظّرْف هُوَ قَوْله: (يُصَلِّي) قَوْله: فحتها) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: حكها وأزالها. قَوْله: (ثمَّ قَالَ حِين انْصَرف) ظَاهر التَّرْكِيب يَقْتَضِي أَن يكون الحت وَقع مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَاخل الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر الْمَذْكُور آنِفا غير مُقَيّد بِحَال الصَّلَاة، وَكَذَلِكَ هُوَ أخرج هُنَاكَ أَحَادِيث عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد وَأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلَيْسَ فِي وَاحِد مِنْهَا قيد بِحَال الصَّلَاة. فَإِن قلت: مَا وَجه هَذِه الرِّوَايَة الْمقيدَة بِحَال الصَّلَاة؟ أَو لَيْسَ هَذَا عمل يفْسد الصَّلَاة؟ قلت: الْعَمَل الْيَسِير لَا يفْسد
الصفحة 2
320