كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 6)

لَهُ: أَعلَى تشجع: قَوْله: (أما وَالله) ، بتَخْفِيف الْمِيم حرف استفتاح. قَوْله: (لأدعون) ، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَكَذَلِكَ نون التَّأْكِيد المثقلة أَي: لأدعون عَلَيْك بِثَلَاث دعوات. قَوْله: (قَامَ) أَي: فِي هَذِه الْقَضِيَّة. قَوْله: (وَسُمْعَة) ، بِضَم السِّين أَي: ليراه النَّاس ويسمعون وَيشْهدُونَ ذَلِك عَنهُ، ليَكُون لَهُ بذلك ذكر. قَوْله: (فأطل عمره) مُرَاده أَن يطول فِي غَايَة بِحَيْثُ يرد إِلَى أَسْفَل السافلين وَيصير إِلَى أرذل الْعُمر، ويضعف قواه وينتكس فِي الْخلق محنة لَا نعْمَة، أَو مُرَاده: طول الْعُمر مَعَ طول الْفقر، وَهَذَا أَشد مَا يكون فِي الرجل، وَيحصل الْجَواب بذلك عَمَّا قيل: الدُّعَاء بطول الْعُمر دُعَاء لَهُ لَا دُعَاء عَلَيْهِ. قَوْله: (وأطل فقره) وَفِي رِوَايَة جرير: (وَشد فقره) ، وَفِي رِوَايَة سيف: (وَأكْثر عِيَاله) . وَهَذِه الْحَالة بئست الْحَالة وَفِي: طول الْعُمر مَعَ الْفقر وَكَثْرَة الْعِيَال. قَوْله: (وَعرضه للفتن) أَي: اجْعَلْهُ عرضة للفتن، أَو أدخلهُ فِي معرضها أَي: أظهره بهَا. وَالْحكمَة فِي هَذِه الدَّعْوَات الثَّلَاث أَن أُسَامَة بن قَتَادَة الْمَذْكُور نفى عَن سعد الْفَضَائِل الثَّلَاث الَّتِي هِيَ أصُول الْفَضَائِل وَأُمَّهَات الكمالات، وَهِي: الشجَاعَة الَّتِي هِيَ الْقُوَّة الغضبية حَيْثُ قَالَ: لَا يسير بالسرية، والعفة: الَّتِي هِيَ كَمَال الْقُوَّة الشهوانية، حَيْثُ قَالَ: لَا يقسم بالسرية، وَالْحكمَة: الَّتِي هِيَ كَمَال الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة، حَيْثُ قَالَ: وَلَا يعدل فِي الْقَضِيَّة، فالثلاثة تتَعَلَّق بِالنَّفسِ وَالْمَال وَالدّين، فقابل سعد هَذِه الثَّلَاثَة بِثَلَاثَة مثلهَا، فَدَعَا عَلَيْهِ بِمَا يتَعَلَّق بِالنَّفسِ: وَهُوَ طول الْعُمر، وَبِمَا يتَعَلَّق بِالْمَالِ: وَهُوَ الْفقر، وَبِمَا يتَعَلَّق بِالدّينِ: وَهُوَ الْوُقُوع فِي الْفِتَن. ثمَّ إعلم أَنه كَانَ يُمكن الإعتذار عَن قَوْله: (وَلَا ينفر بالسرية) بِأَن يُقَال: رأى الْمصلحَة فِي إِقَامَته ليرتب مصَالح من يَغْزُو وَمن يُقيم، أَو كَانَ لَهُ عذر مَانع من ذَلِك، كَمَا وَقع لَهُ فِي الْقَادِسِيَّة، وَكَذَا يُمكن الإعتذار عَن قَوْله: (وَلَا يقسم بِالسَّوِيَّةِ) ، بِأَن يُقَال: إِن للْإِمَام تَفْضِيل بعض النَّاس بِشَيْء يخْتَص بِهِ لمصْلحَة يَرَاهَا فِي ذَلِك، وَأما قَوْله: (وَلَا يعدل فِي الْقَضِيَّة) فَلَا خلاص عَنهُ، لِأَنَّهُ سلب عَنهُ الْعدْل بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ قدح فِي الدّين. قَوْله: (فَكَانَ بعد) ، ويروى: (وَكَانَ بعد) ، بِالْوَاو أَي: كَانَ أُسَامَة بعد ذَلِك، قيل: هَذَا عبد الْملك بن عُمَيْر، بَينه جرير فِي رِوَايَته. قَوْله: (إِذا سُئِلَ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: إِذا سُئِلَ أُسَامَة عَن حَال نَفسه، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة إِذا قيل لَهُ: كَيفَ أَنْت؟ يَقُول: أَنا شيخ كَبِير مفتون. فَقَوله: شيخ كَبِير خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَهُوَ: أَنا، كَمَا قُلْنَا، و: كَبِير، صفته، وَقَوله: مفتون، صفة بعد صفة. فَقَوله: شيخ كَبِير، إِشَارَة إِلَى الدعْوَة الأولى، ومفتون، إِلَى الدعْوَة الثَّالِثَة، وَإِنَّمَا لم يشر إِلَى الدعْوَة الثَّانِيَة وَهِي قَوْله: (وأطل فقره) ، لِأَنَّهَا تدخل فِي عُمُوم قَوْله: (أصابتني دَعْوَة سعد) ، وَقد صرح بذلك فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أَسد بن مُوسَى، وَفِي رِوَايَة أبي يعلى: عَن إِبْرَاهِيم بن حجاج كِلَاهُمَا عَن أبي عوَانَة، وَلَفظه: (قَالَ عبد الْملك: فَأَنا رَأَيْته يتَعَرَّض للإماء فِي السكَك، فَإِذا سَأَلُوهُ قَالَ: كَبِير فَقير مفتون) . وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق عَن جرير: (فافتقر وافتتن) . وَفِي رِوَايَة: (فَعميَ وَاجْتمعَ عِنْده عشر بَنَات، وَكَانَ إِذا سمع بِحسن المراة تشبث بهَا، فَإِذا أنكر عَلَيْهِ قَالَ: دَعْوَة الْمُبَارك سعد) . وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة: (وَلَا تكون فتْنَة إلاّ وَهُوَ فِيهَا) . وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن حجادة: عَن مُصعب ابْن سعد فِي هَذِه الْقِصَّة، قَالَ: وَأدْركَ فتْنَة الْمُخْتَار، فَقتل فِيهَا. وَعند ابْن عَسَاكِر: وَكَانَت فتْنَة الْمُخْتَار حِين غلب على الْكُوفَة من سنة خمس وَسِتِّينَ إِلَى أَن قتل سنة سبع وَسبعين. قَوْله: (أصابتني دَعْوَة سعد) إِنَّمَا أفرد الدعْوَة، مَعَ أَنَّهَا كَانَت ثَلَاث دعوات، لِأَنَّهُ أَرَادَ بهَا الْجِنْس، فَكَانَ سعد مَعْرُوفا بإجابة الدعْوَة. روى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الشّعبِيّ قَالَ: (قيل لسعد: مَتى أصبت الدعْوَة؟ قَالَ: يَوْم بدر، قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اللَّهُمَّ استجب لسعد) ، وروى التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم من طَرِيق قيس بن أبي حَازِم عَن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (اللَّهُمَّ استجب لسعد إِذا دعَاك) . قَوْله: (من الْكبر) ، بِكَسْر الْكَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، قَوْله: (وَإنَّهُ) أَي: إِن أُسَامَة الْمَذْكُور. قَوْله: (يغمزهن) ، أَي: يعصر أعضاءهن بالأصابع، وَفِيه أَيْضا إِشَارَة إِلَى الْفِتْنَة، وَإِلَى الْفقر أَيْضا إِذْ لَو كَانَ غَنِيا لما احْتَاجَ إِلَى غمز الْجَوَارِي فِي الطّرق.
: ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه:
: الأول: وجوب الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الصَّلَوَات وَعدم وُجُوبهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَاسْتدلَّ بعض أَصْحَابنَا لأبي حنيفَة، وَمن قَالَ بقوله فِي عدم وجوب الْقِرَاءَة فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، وَعَن هَذَا قَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) وَغَيره: إِن شَاءَ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِن شَاءَ سبح وَإِن شَاءَ سكت، وَهُوَ الْمَأْثُور عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَعَائِشَة، إِلَّا أَن الْأَفْضَل أَن يقْرَأ. وَقَالَ أَصْحَابنَا: الْمُصَلِّي مَأْمُور بِالْقِرَاءَةِ بقوله تَعَالَى:: {فاقرأوا مَا تيَسّر مِنْهُ} (المزمل: 20) . وَالْأَمر

الصفحة 8