كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 6)

الالتقاء يأخذ حيزا مستديرا له عمق يشبه الكهف المائي او الحجر، ولوحظ أن الأحياء التي تدخل فيه لا تستطيع الخروج، ولا التي هي خارجة تستطيع الدخول إليه، ولو دخلت لماتت على الفور خنقا. لذلك تراها تسبح حول حدوده فلا يدخل الخارج ولا يخرج الداخل وكأنها قد حجرت أو حبست فيه أو عنه. يقول اللّه تعالى:* وهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وحِجْراً مَحْجُوراً (53)، (الفرقان: 53) «1».
يقول الدكتور أنيس الراوي: إذا خرج حيوان الماء العذب إلى الماء المالح ينقبض ( Plasmosis) ويصبح جافا، أما إذا دخل حيوان الماء المالح إلى العذب انفجر بعملية ( Turgidity) ليدخل الماء بشدة لموازنة الأملاح في جسم الكائن.
ولقد توصل العلم الحديث، بعد الملاحظات والدراسات، إلى أن تدفق مياه الأنهار في البحار يتم عبر نقطة المصب. فتدخل مياه النهر البحر، وتصنع في مائه، كما تصنع الطائرة النفاثة في الهواء الجوي خطا من الدخان، ولكنه في الماء خطا أو شريطا من المياه. وكما أنه في الطائرة النفاثة يكون خط العادم المندفع خلفها متميزا عن الهواء المحيط به، ومرئيا بوضوح، فإن تيار الماء النهري المتدفق من مصب النهر الذي يدخل البحر أو المحيط يكون على الهيئة التي يظهر بها عادم النفاثة، وهذا مثال لتقريب فهم اختلاط الماءين مع عدم امتزاجهما.
وعند ما تقل سرعة تدفق ماء النهر في ماء البحر عن قيمة حرجة فإن جزءا من ماء النهر (وهو الأقل كثافة) يطفو على سطح البحر. ويختلط الجزء الآخر بماء البحر في منطقة المصب .. ومن الملاحظ أن تيار الماء المتدفق من مصب النهر في البحر يزيح الصخور التي تعترض طريقه، ويقذف بها بعيدا عن منطقة المصب والاختلاط، وبذلك تكون منطقة المصب أو الاختلاط ذات خصائص مختلفة عن خصائص البحر أو النهر، سواء في لون الماء أو في نوعيات الكائنات الحية التي تنمو فيها .. والناظر في هذه المنطقة يرى وكأن برزخا - وهو الحاجز أو المانع في اللغة - يحيط بها ويفصلها عما عداها من مناطق البحر أو النهر. فقاع البحر في هذه المنطقة تكسوه عادة رمال أو طمي بخلاف قاع البحر في المناطق القريبة الأخرى التي قد تكسوها الصخور أو الطحالب.
والفعل (مرج) تعني خلط، وهو يعني الاختلاط بغير مزج تام، فإذا اختلط شخص
______________________________
(1) سلسلة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، البحار، قرص مدمج، بتصرف.

الصفحة 44