كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 6)

خلقها اللّه تعالى. يقول سيد قطب في شرح هذه الآية المباركة ما نصه: فما من خزائنكم جاء وإنما جاء من خزائن اللّه ونزل فيها بقدر معلوم «1».
السدود
من التطبيقات الهندسية المعروفة لموضوع هندسة التربة وهندسة المياه وعلم الهيدرولوجيا وهندسة الإنشاءات هو موضوع السدود وإنشاؤها وأهميتها ولسنا هنا بصدد معرفة أهمية السدود فهذا الأمر معروف للقاصي والداني في الوقت الحاضر بديهة بسبب تطبيقات السدود الكثيرة في عصرنا وما يراه المرء أمام عينيه في الحقيقة أو بوسائل الإعلام. أما قبل 1420 عاما خلت فإن هذا الأمر لم يكن كذلك لأهل بيئة صحراوية شبه بدوية فإن هذا الأمر وأهميته وفوائده وخصائصه لم تكن كذلك وبالتالي فإن من يكتب عنها بمثل هذا التفصيل لا بد أن يكون عالما بهذا العلم بشكل دقيق ومفصل وهذا الأمر لم يكن متوافرا لأهل جزيرة العرب بسبب عدم تعاملهم مع الأنهار والبحيرات وما شاكلها ولم يكونوا يعرفون أهمية السدود وما تعمله من بساتين وحدائق وخضرة دافقة على أطراف السد وبحيراته.
على هذا الأساس فإن من ينقل الصورة التي تنقلها الآية الكريمة لا بد أن يكون قد أعطي علما من لدن حكيم خبير بكل شيء ولم يكن ليأتي بها من وحي خياله (حاشاه سبحانه وتعالى، ولنقرأ ما تخبرنا به الآيات المباركات من سورة سبأ لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17).
يقول صاحب الظلال (رحمه اللّه تعالى) في تفسير هذه الآيات المباركات ما نصه:
وسبأ اسم لقوم كانوا يسكنون جنوب اليمن وكانوا في أرض مخصبة ما تزال منها بقية إلى اليوم وقد ارتقوا في سلم الحضارة حتى تحكموا في مياه الأمطار الغزيرة التي تأتيهم من البحر في الجنوب والشرق فأقاموا خزانا طبيعيا يتألف جانباه من جبلين وجعلوا على فم الوادي بينهما سدا به عيون تفتح وتغلق وخزنوا الماء بكميات عظيمة وراء السد وتحكموا
______________________________
(1) تفسير الظلال، سيد قطب، ج/ 4، ص 2135.

الصفحة 72