كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 6)

فيها وفق حاجتهم فكان لهم من هذا مورد مائي عظيم وقد عرف باسم (سد مأرب).
وهذه الجنان من اليمين والشمال رمز لذلك الخصب والوفرة والرخاء والمتاع الجميل ومن ثم كانت آية تذكر بالمنعم الوهاب. وقد أمروا أن يستمتعوا برزق اللّه شاكرين (كلوا من رزق ربكم واشكروا له) .. وذكروا بالنعمة .. نعمة البلد الطيب وفوقها نعمة الغفران على القصور من الشكر والتجاوز عن السيئات (بلدة طيبة ورب غفور) سماحة في الأرض بالنعمة والرخاء، وسماحة في السماء بالعفو والغفران فما ذا يقعدهم عن الحمد والشكر؟، ولكنهم لم يشكروا ولم يتذكروا ... أعرضوا عن شكر اللّه وعن العمل الصالح والتصرف الحميد في أنعم اللّه عليهم فسلبهم سبب هذا الرخاء الجميل الذي يعيشون فيه وأرسل السيل الجارف الذي يحمل العرم في طريقه وهي الحجارة لشدة تدفقه. فحطم السد وانسابت المياه فطفت وأغرقت ثم لم يعد الماء يخزن بعد ذلك فجفت واحترقت وتبدلت تلك الجنان الفسيح صحراء تتناثر فيها الأشجار البرية الخشنة .. والخمط شجر الأراك أو كل شجر ذي شوك والأثل شجر يشبه الطرفاء والسدر النبق وهو أجود ما صار لهم ولم يعد لهم منه إلا قليل! «1».
أي أنه حصل بسبب عصيان القوم هدم لسد مأرب هذا وأدى إلى فيضانات عظيمة لهم ولأرضهم ولجناتهم وهذا ما قصد ب (السيل العرم) بالضبط وما تبع هذه التفاصيل من دقة تبين ما يحصل للأرض بعد الفيضانات من قحط وموت للنبات والخضرة والحيوان والإنسان وهذا يعكس دقة التعبير القرآني ووصفه المعبر عن الحالة بالضبط ورسمه الصورة المرئية لما حصل وهذا ما لا يمكن أن يصفه بشر وبهذا الأسلوب المعجز عاش بيئة لا تحتوي على مثل هذه الأمور ولم يصفه له أحد.
لنتأمل الدقة في الوصف ... وبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ... ، أي تحولت البساتين الغناء والأشجار المختلفة الأثمار إلى نباتات صحراوية لا ثمر لها أو أن ثمرها لا يشبع كما في السدر وهو النبق وحتى هذا لم يرزقون منه إلا القليل وهي الشجرة الوحيدة المباركة التي أعطوها بعد الفيضان. إن المتأمل لهذه الآيات المباركات وخصوصا من أهل الاختصاص يعلم جيدا أن التسلسل العلمي لما يحصل للأرض بعد الفيضانات هو ما ورد في الآيات:
______________________________
(1) تفسير الظلال، سيد قطب، ج/ 5، ص 2910.

الصفحة 73