كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 6)

هذا الكتاب - حفظك الله - وإن كان قد تأبط هزلاً، واستبطن سخفاً، وتحمل مزاحاً، فإنه قد تضمن أدباً وعلماً، وتوشح حكمة وفصاحة، ودعا إلى الله أمراً وزجراً، ودل على الخير إيجازاً وإطناباً، ونشر حكم الله رواية واستخراجاً، وأمتع النفس سراراً وجهاراً، فلا تجعل نصيبك منه الخطأ والخطل، وقد اعترض لك منه العلم والفائدة، ولا تحكم على مصنفه وجامعه إلا بعد أن تستظهر بالحجة، وتعتقد الإنصاف، وتعتمد على الحق. وإنما أوصيك بهذا خوفاً من أن يقول ما يقول من لا يشفق على عرضه، ولا يتعقب فرطات حكمه، ولا يفلي مواقع رأيه، ولا يملك خطام لسانه، ولا يبالي بما ووجه به.
واستيقن أن الكتاب قد حوى من الذهن لواقحه، ومن العقل قرائحه، ومن العلم غنائمه، ومن الفهم نتائجه، ومن الصدر ذخائره، ومن الدهر سرائره، ومن الأدب أرواحه، ومن البال خواطره، ومن الروية جواهرها، ومن الحكمة حقائقها، ومن التجربة أعيانها، ومن الأمم ودائعها، ومن الحنكة فرائدها، ومن الأخلاق محاسنها، ومن العرب بيانها، ومن الفرس سياستها، ومن اليونان دقائقها ومن الشريعة رقائقها، فهو إذن للكليل شحذ، وللوسنان يقظة، وللعقل سمة، وللعي بلاغة، وللأخرس ترجمان، وللناسي تذكرة، وللغزير تجربة، وللأديب عدة، وللعالم عمدة، وللخامل نباهة، وللمجهول علامة، وللجاد محجة، وللهازل مفكهة، وللناسك بصيرة، وللعائل نصيحة، جمعت فيه كل عرة لائحة، وحجة واضحة،

الصفحة 11