كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 6)

وَجَلَّ إِلَيْهِ فِي الْعُمْرِ» وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ «1» أحمد عن أبي عبد الرحمن هو المقري بِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ خَلَفٍ عَنْ أبي معشر عن أبي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ.
[طَرِيقٌ أُخْرَى] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ أَبُو عُتْبَةَ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا بَقَيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا الْمُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ الْكِنَانِيُّ، حَدَّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرحمن الغفاري يقول: سمعت أبا هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لقد أعذر الله عز وجل في العمر إلى صاحب الستين وَالسَّبْعِينَ» فَقَدْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الطَّرِيقُ الَّتِي ارْتَضَاهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ شَيْخُ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ لَكَفَتْ وَقَوْلُ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّ فِي رِجَالِهِ بَعْضُ مَنْ يَجِبُ التَّثَبُّتُ فِي أَمْرِهِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ مَعَ تَصْحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعُمُرَ الطَّبِيعِيَّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، فَالْإِنْسَانُ لَا يَزَالُ فِي ازْدِيَادٍ إِلَى كَمَالِ السِّتِّينَ، ثُمَّ يَشْرَعُ بَعْدَ هَذَا فِي النَّقْصِ وَالْهَرَمِ، كَمَا قَالَ الشاعر [الوافر] :
إِذَا بَلَغَ الْفَتَى سِتِّينَ عَامًا ... فَقَدْ ذَهَبَ الْمَسَرَّةُ وَالْفَتَاءُ «3»
وَلَمَّا كَانَ هَذَا هُوَ الْعُمُرُ الذي يعذر الله تعالى إِلَى عِبَادِهِ بِهِ وَيُزِيحُ بِهِ عَنْهُمُ الْعِلَلَ، كَانَ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَعْمَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، كَمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ. قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ» «4» وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ جَمِيعًا فِي كِتَابِ الزُّهْدِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَهَذَا عجيب مِنَ التِّرْمِذِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَطَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا سليمان بن عمرو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ كَامِلٍ أَبِي العلاء عن
__________
(1) المسند 2/ 320.
(2) تفسير الطبري 10/ 418.
(3) يروى البيت:
إذا عاش الفتى مائتين عاما ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء
وهو للربيع بن ضبع في أمالي المرتضى 1/ 254، وخزانة الأدب 7/ 379، 380، 381، 385، والدرر 4/ 41، وشرح التصريح 2/ 273، وشرح عمدة الحافظ ص 525، والكتاب 1/ 208، 2/ 162، ولسان العرب (فتا) ، والمقاصد النحوية 4/ 481، وهمع الهوامع 1/ 135، وبلا نسبة في أدب الكاتب ص 299، وأوضح المسالك 4/ 255، وجمهرة اللغة ص 1032، وشرح الأشموني 3/ 623، وشرح المفصل 6/ 21، ومجالس ثعلب ص 333، والمقتضب 2/ 169، والمنقوص والممدود ص 17.
(4) أخرجه الترمذي في الدعوات باب 101، وابن ماجة في الزهد باب 37.

الصفحة 492