كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 6)

وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ثُمَّ قَالَ، ورواه غير زائدة عن سماك عن عطية عن عائشة رضي الله عنها، هذا فِي شِعْرِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ فِي مُعَلَّقَتِهِ المشهورة، وهذا المذكور منها أوله [الطويل] :
سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا ... وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ ... بَتَاتًا وَلَمْ تَضِرِبْ لَهُ وقت موعد
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ: قيل لعائشة رضي الله عنها: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت رضي الله عنها: كان أبغض الحديث إليه، غير أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتِ أَخِي بَنِي قَيْسٍ، فَيَجْعَلُ أَوَّلَهُ آخِرَهُ، وَآخِرَهُ أَوَّلَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: ليس هذا هكذا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا بشاعر وما يَنْبَغِي لِي» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَهَذَا لَفْظُهُ. وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ: بلغني أن عائشة رضي الله عنها سُئِلَتْ:
هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ فَقَالَتْ رضي الله عنها: لَا. إِلَّا بَيْتَ طَرَفَةَ.
سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا ... وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تزود
فجعل صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ بِالْأَخْبَارِ» فَقَالَ أَبُو بكر: ليس هذا هكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: «إني لست بشاعر ولا ينبغي لي» وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نُعَيْمٍ وَكِيلُ الْمُتَّقِي بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِلَالٍ النَّحْوِيُّ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ شِعْرٍ قَطُّ إِلَّا بَيْتًا وَاحِدًا.
تَفَاءَلْ بِمَا تَهْوَى يَكُنْ فَلَقَلَّمَا ... يُقَالُ لِشَيْءٍ كَانَ إِلَّا تَحَقَّقَا
سَأَلْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ مُنْكَرٌ، وَلَمْ يعرف شيخ الحاكم ولا الضرير، وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم تَمَثَّلَ يَوْمَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ بِأَبْيَاتِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ولكن تبعا لقول أصحابه رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يرتجزون وهم يحفرون فيقولون [رجز] :
لا همّ لَولَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا «1»
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَينَا ... إِذَا أرادوا فتنة أبينا
__________
(1) الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص 107، وشرح أبيات سيبويه 2/ 322، والكتاب 3/ 511، وله أو لعامر بن الأكوع في الدرر 5/ 148، وشرح شواهد المغني 1/ 286، 287، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 234، وتخليص الشواهد ص 130، وخزانة الأدب 7/ 139.

الصفحة 525