كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 6)

ويرفع صلى الله عليه وسلم صَوْتَهُ بِقَوْلِهِ أَبَيْنَا وَيَمُدُّهَا، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا بزحاف في الصحيحين أيضا، وكذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ رَاكِبٌ الْبَغْلَةَ يُقْدِمُ بها في نحور العدو [رجز] :
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ «1»
لَكِنْ قَالُوا هَذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِوَزْنِ شِعْرٍ، بَلْ جَرَى عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ، فَنَكِبَتْ أُصْبُعُهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم [رجز] :
هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ ... وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ «2»
وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِلَّا اللَّمَمَ [النجم: 32] إنشاد [رجز] :
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لَكَ مَا أَلَمَّا «3»
وَكُلُّ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عُلِّمَ شعرا وما يَنْبَغِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا عَلَّمَهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الذِي لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فُصِّلَتْ: 42] وَلَيْسَ هُوَ بِشِعْرٍ كَمَا زَعَمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ جَهَلَةِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَلَا كِهَانَةٍ، وَلَا مُفْتَعِلٍ، وَلَا سِحْرٍ يُؤْثَرُ، كَمَا تَنَوَّعَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الضُّلَّالُ وَآرَاءُ الْجُهَّالِ، وَقَدْ كَانَتْ سَجِيَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْبَى صِنَاعَةَ الشِّعْرِ طَبْعًا وَشَرْعًا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ يَزِيدَ الْمُعَافِرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ قال:
سَمِعْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا أُبَالِي مَا أُوتِيْتُ إِنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا، أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً، أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي» تَفَرَّدَ بِهِ أبو
__________
(1) الرجز لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كتاب العين 6/ 65، وتهذيب اللغة 10/ 611، والحديث أخرجه البخاري في الجهاد باب 52، 61، والمغازي باب 54، ومسلم في الجهاد حديث 78- 80، والترمذي في الجهاد باب 15، وأحمد في المسند 4/ 280، 281، 289، 304.
(2) الرجز لرسول الله ص في كتاب العين 6/ 65، وتهذيب اللغة 2/ 51، وتاج العروس (صبع) ، وجمهرة اللغة ص 686، ولسان العرب (صبع) ، والحديث أخرجه البخاري في الجهاد باب 9، والأدب باب 90، وتفسير سورة 93، ومسلم في الجهاد حديث 112، وأحمد في المسند 4/ 312، 313.
(3) الرجز لأبي خراش الهذلي في الأزهية ص 158، وخزانة الأدب 7/ 190، وشرح أشعار الهذليين 3/ 1346، وشرح شواهد المغني ص 625، ولسان العرب (جمم) ، والمقاصد النحوية 4/ 216، وتاج العروس (جمم) ، ولأمية بن أبي الصلت في الأغاني 4/ 131، 135، وخزانة الأدب 4/ 4، ولسان العرب (لمم) ، وتهذيب اللغة 15/ 347، 420، وكتاب العين 8/ 350، وتاج العروس (لمم) ، ولأمية أو لأبي خراش في خزانة الأدب 2/ 295، ولسان العرب (لمم) ، وبلا نسبة في الإنصاف ص 76، وجمهرة اللغة ص 92، والجنى الداني ص 298، ولسان العرب (لا) ، ومغني اللبيب 10/ 244، وكتاب العين 8/ 321، وديوان الأدب 3/ 166، وتاج العروس (لا) .

الصفحة 526