كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 6)

صَبَاحًا» «1» . وَقِيلَ الْمُرَادُ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ فَلَا تُقِيمُوا الْحَدَّ كَمَا يَنْبَغِي مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ الزَّاجِرِ عَنِ الْمَأْثَمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الضَّرْبَ الْمُبَرِّحَ.
قَالَ عَامِرُ الشَّعْبِيُّ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ قَالَ: رَحْمَةٌ فِي شِدَّةِ الضَّرْبِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: ضَرْبٌ لَيْسَ بِالْمُبَرِّحِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوُبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: يُجْلَدُ الْقَاذِفُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ وَالزَّانِي تُخْلَعُ ثِيَابُهُ، ثُمَّ تَلَا وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ فَقُلْتُ هَذَا فِي الْحُكْمِ؟ قَالَ: هَذَا فِي الْحُكْمِ، وَالْجَلْدِ يَعْنِي فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ وَفِي شِدَّةِ الضَّرْبِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ، حَدَّثَنَا وكيع عن نافع عن ابن عمرو عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ جَارِيَةً لِابْنِ عُمَرَ زَنَتْ فَضَرَبَ رِجْلَيْهَا، قَالَ نَافِعٌ: أَرَاهُ قَالَ وَظَهْرَهَا، قَالَ قُلْتُ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ قَالَ: يَا بُنَيَّ وَرَأَيْتَنِي أَخَذَتْنِي بِهَا رَأْفَةٌ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنِي أَنْ أَقْتُلَهَا، وَلَا أَنْ أَجْعَلَ جلدها في رأسها، وقد أوجعت حين ضربت «2» . وقوله تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَيْ فافعلوا ذلك وأقيموا الْحُدُودَ عَلَى مَنْ زَنَى، وَشَدِّدُوا عَلَيْهِ الضَّرْبَ وَلَكِنْ لَيْسَ مُبَرِّحًا لِيَرْتَدِعَ هُوَ وَمَنْ يَصْنَعُ مِثْلَهُ بِذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ وَأَنَا أَرْحَمُهَا: فَقَالَ «وَلَكَ في ذلك أجر» «3» .
وقوله تعالى: وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا فِيهِ تَنْكِيلٌ لِلزَّانِيَيْنِ إِذَا جُلِدَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِمَا وَأَنْجَعَ فِي رَدْعِهِمَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا وَفَضِيحَةً إِذَا كَانَ النَّاسُ حُضُورًا. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْلِهِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عَلَانِيَةً: ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الطَّائِفَةُ الرَّجُلُ فَمَا فَوْقَهُ. وَقَالَ مجاهد: الطائفة رجل إلى ألف، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: إِنَّ الطَّائِفَةَ تَصْدُقُ عَلَى وَاحِدٍ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: اثْنَانِ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: يَعْنِي رَجُلَيْنِ فَصَاعِدًا، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَصَاعِدًا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: الطائفة أربعة نفر فصاعدا، لأنه لا يكفي شهادة في الزنا دُونَ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَصَاعِدًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: خَمْسَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: عَشَرَةٌ وَقَالَ قَتَادَةُ:
أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَشْهَدَ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ليكون ذلك موعظة وعبرة
__________
(1) أخرجه النسائي في السارق باب 7، وابن ماجة في الحدود باب 3، وأحمد في المسند 2/ 362، 402. [.....]
(2) انظر تفسير الطبري 9/ 256.
(3) أخرجه أحمد في المسند 3/ 436، 5/ 34.

الصفحة 6