كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
الصلاة والسلام: "وجدناه بحرًا"، أي واسع الجري.
وفيه قطاف: يقال: قطف الفرس في مشية إذا تضايق خطوه وأسرع مشيه.
قال القاضي عياض: وقد كان في أفراسه -صلى الله عليه وسلم- فرس مندوب، فلعله صار إليه بعد أبي طلحة. وقال النووي: يحتمل أنهما فرسان اتفقا في الاسم.
وقال ابن عمر: ما رأيت أشجع ولا أنجد من رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وذكر ابن إسحاق في كتابه وغيره: أنه كان بمكة رجل شديد القوة يحسن الصراع, وكان الناس يأتونه من البلاد للمصارعة فيصرعهم. فبينما هو ذات يوم في شعب من شعاب مكة؛ إذ لقيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: "يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما
__________
قوله -عليه الصلاة والسلام: "وجدناه بحرًا" أي: واسع الجري" ففيه إشارة إلى أنه لم يكن كذلك، "و" قوله في الحديث: "فيه قطاف" معناه أنَّ في مشيه ضيق خطا، ودليله أنه "يقال قطف الفرس في مشيه، إذا تضايق خطوه، وأسرع مشيه" بالنصب مفعول، أسرع على التوسع، أي: في مشيه بناء على قول القاموس، الأصل إن أسرع متعد، وبالرفع على أنه لازم، والإسناد مجازي، ومقتضى المصباح أنه أشهر وفي التوضيح القطوف المتقارب الخطور، وقيل: الضيق المشي، يقال: قطفت الدابة تقطف، بكسر الطاء، وضمها، قطافًا.
"قال القاضي عياض: وقد كان في أفراسه -صلى الله عليه وسلم- فرس" اسمه "مدوب"، وصرح الحديث، بأنه لأبي طلحة، "فلعله صار إليه بعد أبي طلحة" بهبة أو بيع منه له، لا بعد موته، لأنه عاش بعد النبي -صلى الله عليه وسلم.
"وقال النووي: يحتمل أنهما فرسان اتفقا في الاسم" وهذا أولى، "وقال ابن عمر: ما رأيت أشجع ولا أنجد" أكثر نجدة "من رسول الله -صلى الله عليه وسلم" والنجدة والشجاعة والشدة، فالعطف مساو، ولعله مأخوذ من نجد الرجل فهو نجيد، كقرب فهو قريب، إذا كان ذا نجدة أو من نجدة، كنصر إذا أعانه؛ لأن اسم التفضيل يكون من اللازم والمتعدى، وهذا الحديث رواه أحمد، والنسائي، وغيرهما، بزيادة، ولا أجود، ولا أرضى من رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وعطف أجود على أنجد للمناسبة بينهما؛ إذ الجواد لا يخاف الفقر، والشجاع لا يخاف الموت، ولأن الأول بذل النفس، والثاني بذل المال، والجود بالنفس أقصى غاية الجود، و"ذكر" محمد "بن إسحاق" ابن يسار المطلبي، مولاهم، المدني، نزيل العراق "في كتابه" السيرة، "و" ذكر "غيره؛ أنه كان بمكة رجل شديد القوة، يحسن الصراع" بكسر الصاد، مصدر صارع مصارعة وصراعا، "وكان الناس يأتونه من البلاد للمصارعة، فيصرعهم" بابه نفع، "فبينما هو ذات يوم في شعب" بالكسر، الطريق، أو في الجبل، "من شعاب مكة، إذ لقيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال له: "يا ركانة ألا تتقي الله، وتقبل ما