كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
ولقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب.
وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة التامة، لأنه في مثل هذا اليوم في حومة الوغى وقد انكشف عنه جيشه، وهو مع هذا على بغلة ليست بسريعة الجري، ولا تصلح لكرٍّ ولا فر ولا هرب, وهو مع ذلك يركضها إلى وجوههم، وينوه........................
__________
تعلم من الناس.
قال ابن جرير: الانهزام المنهي عنه هو ما يقع على غير نية العود، وأمَّا الاستطراد للكثرة، فهو كالمتحيز إلى فئة، "ولقد رأيت النبي" وفي رواية رسول الله "صلى الله عليه وسلم، على بغلته البيضاء" التي أهداها له فروة، كما في مسلم عن العباس، وعن ابن سعد وأتباعه، على بغلته دلدل.
قال الحافظ: وفيه نظر، لأن دلدل أهداها له المقوقس، قال القطب الحلبي، فيحتمل أنه ركب يومئذ كلا من البغلتين، إن ثبت أن دلدل كانت معه، وإلّا فما في الصحيح أصح، "وإن أبا سفيان بن الحارث" بن عبد المطلب "آخذ بزمامها"، أولًا، فلمَّا ركضها -صلى الله عليه وسلم- إلى جهة المشركين خشي عليه العباس، فأخذ زمامها، وأخذ أبو سفيان بالركاب، فلا يخالف هذا ما في مسلم؛ أن العباس كان آخذ بزمامها، وللبخاري في الجهاد، فنزل، أي: عن البغلة، فاستنصر، وفي مسلم، فقال: "اللهم أنزل نصرك"، "وهو يقول "أنا النبي" حقًّا، "لا كذب" في ذلك، أو والنبي لا يكذب، فست بكاذب، حتى انهزم، "أنا ابن عبد المطلب".
قال الخطابي: خصَّه بالذكر، تثبيتًا لنبوته، وإزالة للشك، لما اشتُهر من رؤيا عبد المطلب المبشرة به -صلى الله عليه وسلم، ولما أنبأت به الأحبار والكهان، فكأنه يقول: أنا ذاك، فلا بُدَّ مما وعدت به لئلَّا ينهزموا عنه، أو يظنوا أنه مغلوب أو مقتول، فليس من الفخر بالآباء في شيء، وليس بشعر وإن كان موزونًا؛ لأنه لم يقصده ولا أراده، وهما من شرط كونه شعرًا، وهذا أعدل الأجوبة، ولا يجوز فتح الباء الأولى، وكسر الثانية ليخرج عن الوزن؛ لأنه تغيير للرواية بمجرد خيال يقوم في النفس، ولأنه وقع في إشكال أصعب مما فرَّ منه؛ لأن فيه نسبة اللحن إلى أفصح الفصحاء، فالعرب لا تقف على متحرك، "وهذا" يعد "في غاية ما يكون من الشجاعة التامة؛ لأنه مثل هذا اليوم في حومة الوغى" بالقصر، والمعجمة، الحرب أي: في أشد موضع في القتال، "وقد انكشف عنه جيشه، وهو مع هذا على بغلة، ليست" من مراكب الحرب، بل الطمأنينة؛ إذ ليست بسريعة، ولا تصلح لكر، ولا فر، ولا هرب"فركوبها دليل النهاية في الشجاعة، والثبات، وإن الحرب عنده كالسلم، "وهو مع ذلك يركضها إلى وجههم، وينوه" يرفع نفسه من بينهم