كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
باسمه ليعرفه من ليس يعرفه -صلوات الله وسلامه عليه.
وفي حديث البراء: كنا إذا احمرَّ البأس اتقينا برسول الله -صلى الله عليه وسلم, أي: جعلناه قدامنا واستقبلنا العدو به، وقمنا خلفه.
وأمَّا ما ذكر من سخائه وجوده وكرمه، فاعلم أن السخاء صفة غريزية، وفي مقابلته الشح، والشح من لوازم صفة النفس، قال الله تعالى: {وَمَنْ........................
__________
"باسمه، ليعرفه من ليس يعرفه -صلوات الله وسلامه عليه" مبالغة في الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو.
"وفي حديث" رواه مسلم عن "البراء: كنا إذا أحمر اللباس" أي: اشتد، "اتقينا برسول الله -صلى الله عليه وسلم" وإن الشجاع منا الذي يحاذيه، "أي: جعلناه قدامنا، واستقبلنا العدو به، وقمنا خلفه" وروى أحمد، والنسائي، وغيرهما، عن علي: كنا إذا حمي البأس، وفي رواية إذا اشتدَّ البأس، واحمرَّت الحِدَق، اتقينا برسول الله، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر، ونحن نلوذ بالنبي -صلى الله عليه وسلم، وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس بأسًا، وتقدَّم للمصنف في حنين، وقبله في أحد، أن من زعم أنه هزم يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل عند الشافعية، ووافقهم ابن المرابط من المالكية، وإن مذهب مالك يقتل بلا استتابة، وفرقوا بينه وبين من قال: جرح، أو أوذي؛ بأن الأخبار عن الأذى نقص في المؤذي لا عليه، والأخبار بالانهزام نقص له -صلى الله عليه وسلم؛ لأنه فعله لو وقع، كما أنَّ الأذى فع المؤذي، قال ابن دحية: وأما تغيبه في الغار، فكان قبل الإذن بالقتال، وأما مظاهرته بين درعين يوم أحد، فهو من الاستعداد للإقدام، وليقتدي به أصحابه، والمنهزم خارج عن الإقدام جملة، بخلاف المستعد له. انتهى.
"وأما" معنى "ما ذكر" أو الصفة المرادة "من سخائه، وجوده، وكرمه" والأوّل أولى لاطِّراده في جميع ما يأتي، والجواب محذوف، أي: ففيه خلاف، وإذا أردت معرفته، "فاعلم أن السخاء صفة غريزية" طبيعة قائمة بالموصوف، كقيام الأوصاف الحسية بمحالها، قال بعض: وهي سهولة الانفاق، وتجنب اكتساب، ما لا يحمد من الصنائع المذمومة، كالحجامة، وأكل ما لا يحل مأخوذ من الأرض السخاوية، وهي الرخوة اللينة، ولذا وصف الله تعالى بجواد دون سخيّ، لأنه أوسع في معنى العطاء، وأدخل في صفة العلاء، فعلى هذا هو أخص منه، وقيل هما مترادفان لقول الشاعر:
وما الجود من يعطي إذا ما سألته ... ولكن من يعطي بغير سؤال
"وفي مقابلته الشح" أشد البخل، "والشح من لوازم صفة النفس، قال الله تعالى: {وَمَنْ