كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] ، فحكم بالفلاح لمن وقي الشح، وحكم بالفلاح أيضا لمن أنفق وبذل فقال: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ، {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 3، 5] والفلاح أجمع اسم لسعادة الدارين.
وليس الشح من الآدمي بعجيب؛ لأنه جبلي فيه، وإنما العجب وجود السخاء في الغريزة.
والسخاء أتمَّ وأكمل من الجود، وفي مقابلته البخل, وفي مقابلة السخاء الشح، والجود والبخل يتطرق إليهما الاكتساب بطريق العادة، بخلاف الشح والسخاء؛ إذ كان ذلك من ضرورة الغريزة، فكل سخي جواد................
__________
يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} حرصها على المال، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] الآية، "فحكم بالفلاح لمن وقي الشح، وحكم بالفلاح أيضًا لمن أنفق، وبذل، فقال: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أعطيناهم {يُنْفِقُونَ} ، [البقرة: 3] في طاعة الله، {َأُولَئِكَ} الموصوفون بما ذكر {عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] الفائزون بالجنة الناجون من النار، "والفلاح أجمع اسم لسعادة الدارين، وليس الشح من الآدمي بعجيب، لأنه جبلي فيه، وإنما العجب وجود السخاء في الغريزة" مقتضاه تغاير الغريزة والجبلة، وفي المصباح: الجِبِلّة، بكسرتين، وتثقيل اللام، والطبيعة، والخلقة، والغريزة، بمعنى واحد، "والسخاء أتمّ، وأكمل من الجود" بناء على تغايرهما، والأصح: إن السخاء أدنى منه، ولذا لم يوصف الله به، كما مَرَّ، "وفي مقابلته" أي: الجود "البخل، وفي مقابلة السخاء الشح" ويأتي أن الجود إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، فذكر تعريفه، كالسخاء، ولم يذكر الكرم مع أنه ترجم به، كأنه لأنه مأخوذ عنده في معنى الجود، وفي الشامي الكرم، بفتحتين، الإنفاق بطيب نفس فيما يعظم خطره، وفي نسخة قدره.
وفي القاموس الكرم محركة ضد اللؤم، كرم، بضم الراء، كرامة كرامًا، فهو كريم، وفيه اللؤم ضد الكرم، "والجود، والبخل يتطرَّق إليهما الاكتساب بطريق العادة", وذلك أن الجواد إذا رأى من أنفق ماله، فصار فقيرًا غلب عليه الحرص، فمنع نفسه من الجود، حتى لا يصير كذلك, والبخيل يعلم خسة الدنيا، وما يؤل إليه، وإن ذا المال يموت، فيأخذ غيره ماله، فيعالج نفسه على إعطاء ما ينبغي، فيصير له طبيعة "بخلاف الشح، والسخاء؛ إذ كان" تعليلية، أي: لكون "ذلك من ضرورة الغريزة" فلا يمكن اكتسابهما، وهذه التفرقة بناء على أن الشحَّ أشد من البخل، وأنَّ السخاء أتم من الجود, أمَّا على ترادفهما، وأن الجود أعلى فلا، "فكل سخي جواد"