كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

وليس كل جواد سخيًّا، والجود يتطرَّق إليه الرياء، ويأتي به الإنسان متطلعا إلى غرض من الخلق أو الحق بمقابلة من الثناء أو غيره من الخلق والثواب من الله تعالى، ولا يتطرق الرياء إلى السخاء؛ لأنه ينبع من النفس الزكية المرتفعة عن الأغراض. أشار إليه في عوارف المعارف.
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس، رواه البخاري ومسلم من حديث أنس.
وأجود: أفعل تفضيل، من الجود وهو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، ومعناه: هو أسخى الناس، ولما كانت نفسه أشرف النفوس ومزاجه أعدل الأمزجة, لا بُدَّ أن يكون فعله أحسن الأفعال،.................
__________
لأن السخاء إعطاء ما ينبغي بحسب الطبيعة، "وليس كل جواد سخيًّا"؛ لأن الجود إعطاء ما ينبغي أيضًا، لكن قد يكون بمعالجة النفس على اكتسابه.
"والجود يتطرَّق إليه الرياء، ويأتي به الإنسان متطلعًا إلى غرض من الخلق أو الحق" سبحانه, وبَيِّنَ الغرض بقوله: "بمقابلة من الثناء، أو غيره من الخلق، والثواب من الله تعالى", كمن جاد بالمال لذلك، "ولا يتطرق الرياء إلى السخاء، لأنه" غريزة، لا صنع فيه، فلا يقصد به غرضًا؛ إذ هو "ينبع" يتفجر "من النفس الزكية، المرتفعة عن الأغراض، أشار إليه" العارف العلامة السهروردي، بمعنى ذكره "في" كتابه "عوارف المعارف" بلفظه من أول قوله: فاعلم إلى هنا، "وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس"؛ لأن الله تعالى أعطاه كل الحسن، "وأشجع الناس" أقواهم قلبًا في حالة البأس؛ "وأجود الناس" لتخلقه بصفات الله، التي منها الجود والكرم، "رواه البخاري، ومسلم من حديث أنس" بزيادة تقدَّمت قريبًا في قوله: لقد فزع أهل المدينة إلخ.......، وإنه لفظ مسلم، ولفظ البخاري، ولقد فزع أهل المدينة ليلًا، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- سبقهم على فرس، وقال: "وجدناه بحرًا"، "وأجود أفعل تفضيل من الجود" بضم الجيم، مصدر جاد، "وهو إعطاء ما ينبغي" شرعًا "لمن ينبغي أن يعطى" لاستحقاقه للصفة القائمة به، كالفقر، فلا حاجة لزيادة بعض لا لغرض لدخوله فيما ينبغي، وقيل: الجود تجنب اكتساب ما لا يحمد، وهو ضد التقتير، والجواد الذي يتفضل على من يستحق، ويعطي من لا يسأل، ويعطي الكثير ولا يخاف الفقر، والسخي الليِّن عند الحاجة.
قال الأستاذ القشيري: قال القوم: من أعطى البعض فهو سخي، ومن أعطى الأكثر وأبقى لنفسه شيئًا فهو جواد، ومن قاسى الضر وآثر غيره بالبلغة فهو مؤثر، "ومعناه هو أسخى الناس، لما كانت نفسه أشرف النفوس، ومزاجه أعدل الأمزجة، لا بُدَّ أن يكون فعله أحسن الأفعال"

الصفحة 108