كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

فحمر رقبته، وكان رداء خشنًا، فالتفتّ إليه, فقال له الأعرابي: احملني على بعيري هذين، فإنك لا تحملني من مالك ولا مال أبيك، فقال له -صلى الله عليه وسلم: "لا، وأستغفر الله، لا وأستغفر الله، لا وأستغفر الله، لا أحملك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني"، كل ذلك يقول له الأعرابي: والله لا أقيدها، فذكر الحديث، قال: ثم دعا رجلًا فقال له: احمل له على بعيريه هذين, على بعير تمرًا وعلى الآخر شعيرًا. رواه أبو داود.
ورواه البخاري من حديث أنس بلفظ: كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه برد
__________
زاد في رواية: جبذة شديدة، "فحمَّر رقبته" براء بعد الميم، من التحمير، وفي نسخ فحمّ, بلا راء، أي: أثر فيها أثرًا غير لونها، كتأثير الحمى، وهو بالبناء للفاعل والمفعول، كما يفيده القاموس؛ وهذا إن ثبت رواية بلا راء، وإلّا فالذي في خط الشامي بالراء، "وكان رداءً خشنًا" بيان لسبب تحميره لرقبته، "فالتفت" صلى الله عليه وسلم "إليه" إلى الأعرابي، "فقال له الأعرابي: احملني" نسب الجمل إليه تنزيلًا لحمل ما يصل إليه، منزلة حمله لعود نفعه إليه، "على بعيري هذين" أي: حمّلهما إليّ طعامًا, زاد في رواية البيهقي: من مال الله الذي عندك، "فإنك لا تحملني من مالك، ولا من مال أبيك، فقال له -صلى الله عليه وسلم: "لا" أحملك من مالي، ولا مال أبي، وفي رواية البيهقي، فسكت، ثم قال: "المال مال الله، وأنا عبده"، أي: أتصرف فيه بإذنه، وأعطي من يأمرني بإعطائه، فردَّ عليه بألطف رد، "وأستغفر الله، لا وأستغفر الله، لا وأستغفر الله" ثلاث مرات، "لا أحملك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني" أي: تمكنني من القود من نفسك، فأفعل معك مثل ما فعلت معي من جذب ردائي، أطلق القود، وهو القصاص مجازًا، على مطلق المجازاة، أي: حتى تجازي على ترك أدبك، أو تعزر بما يليق بك، وفي رواية البيهقي: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي، فعبَّر بإعرابي إشارة إلى عذره، لما فيه من غلظ الأعراب وجفائهم، "كل ذلك يقول له الأعرابي: والله، لا أقيدها، فذكر الحديث" وهو قال: لم قال، لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- أي: سرورًا بما رآه من حسن ظنه به، وأنه لم يفعل ذلك، تنقيصًا له، وتطمينًا لقلبه، إذا بدأ المسرة بمقالته، وهذا يقتضي أنه كان مسلمًا، غير أنه فيه جفاء البادية، "قال: ثم دعا رجلا" هو عمر، كما في رواية، "فقال له: "احمل له على بعيريه هذين، على بعير تمرًا، وعلى الآخر شعيرًا"، "رواه أبو داود" في سننه، "ورواه البخاري" في الخمس، واللباس، والأدب، ومسلم، كلاهما "من حديث أنس" بن مالك "بلفظ: كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه برد" -بضم الموحدة، وسكون الراء- نوع من الثياب، وفي

الصفحة 25