كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

نجراني غليظ الحاشية, فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة، قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتقه وقد أثرت فيه حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد, مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء.
وفي هذا بيان حلمه -عليه الصلاة والسلام, وصبره على الأذى في النفس والمال، والتجاوز عن جفاء من يريد تألفه على الإسلام.
وعن عائشة وقد سُئِلَت عن خلقه -صلى الله عليه وسلم: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- فاحشًا ولا متفحشًا..............................................................
__________
رواية مسلم، عليه رداء "نجراني" بنون مفتوحة، فجيم ساكنة، فراء مفتوحة، فألف، فنون، نسبة إلى بلدة بين الحجاز واليمن، وهي إليه أقرب، فلذا يقال: بلدة باليمن "غليظ الحاشية" أي: الجانب، فأدركه أعرابي" قال الحافظ: لم أقف على تسميته، "فجبذ" بتقديم الباء على الذال المعجمة "بردائه".
قال الزركشي: صوابه ببرده لقوله أولًا: عليه برد، وهو لا يسمَّى رداء، وردَّه الدماميني بأنه لا مانع أنه ارتدى بالبرد، فأطلق عليه رداء بهذا الاعتبار، وفي رواية مسلم رداءه، "جبذة شديدة، قال أنس: فنظرت إلى صفحة" جانب "عاتقه" ما بين العنق والكتف، أو موضع الرداء من المنكب، "وقد أثرت فيه حاشية البرد، من شدة جبذته" وفي رواية مسلم، وانشق البرد، وذهبت حاشيته في عنقه، "ثم قال: يا محمد" قبل تحريم ندائه باسمه، أو لقرب عهد الأعرابي بالإسلام، فلم يتفقَّه في الدين، وفي طبعه الغلظة والجفاء، وإلا فطلبه العطاء من مال الله، يدل على أنه مسلم "مر لي", ولمسلم: أعطني "من مال الله، الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك، ثم أمر له بعطاء" هو تحميل بعيريه، كما في حديث أبي هريرة الذي قبله، "وفي هذا بيان حلمه -عليه الصلاة والسلام، وصبره على الأذى في النفس والمال، والتجاوز عن جفاء" بالمد خلاف البر، "من يريد تألفه على الإسلام" وسياق الحديث كما قيل يقتضي أنه من المسلمين المؤلفة قلوبهم.
"وعن عائشة، وقد سئلت عن خلقه -صلى الله عليه وسلم" قالت: "لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- فاحشًا" إذا فحش في أقواله وأفعاله وصفاته، "ولا متفحشًا" متكلف الفحش في ذلك، أي: لم يقم به فحش طبعًا، ولا تكلفًا فهمًا, غير أن من هذه الجهة، إذا الصفة القائمة بالموصوف طبعًا غير القائمة به تطبعًا، ولذا سلّط النفي على كل منهما، فهو من بديع الكلام، وإن صدق أن كل متفحش فاحش، فلا يرد أن نفي الأعمّ يستلزم نفي الأخص، وأسقط من الرواية، ولا سخَّابًا في الأسواق، روي

الصفحة 26