كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
ولا يجزي بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه الترمذي، أي: لم يكن الفحش له خلقًا ولا مكتسبًا.
وفي البخاري من حديث ابن عمرو: لم يكن -صلى الله عليه وسلم- فاحشًا ولا متفحشًا، وفي رواية له من حديث أنس بن مالك قال: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبَّابًا ولا فاحشًا ولا لعّانًا.
__________
بسين مهملة، أي: مرتفع الصوت، وروي -بصاد- وهو الضجر واضطراب الصوت للخصام، وإذا لم يكن في الأسواق كذلك, فغيرها أَوْلى، ثم لا يرد أن سخابًا، للتكثير، وهو للمبالغة، فلا يلزم منه نفي أصل الفعل، لأن هذا من المفهوم، ولا يكفي هنا لوروده في سياق المدح، ولا يكفي فيه مثل ذلك، "ولا يجزي" بزنة يرمي "بالسيئة" السيئة؛ لأن خلقه القرآن، وفيه جزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله، "ولكن" استدراك على ما قد يتوهَّم أن ترك الجزاء عجز، فصرَّحت بأنه مع القدرة، فقالت: "يعفو" عن الجاني، فلا يذكر له شيئًا من جنايته، "ويصفح" يظهر له أنه لم يطَّلع عليها، أو يعفو باطنًا، ويصفح يعرض ظاهرًا، وذلك منه طبقًا وامتثالًا لقوله تعالى {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: 13] الآية.
"رواه الترمذي" في جامعه وشمائله برجال ثقات، "أي: لم يكن الفحش له خلقًا" طبعًا, تفسير لقولها: فاحشًا، "ولا مكتسبًا" بيان لقولها متفحشًا، "وفي البخاري" في الصفة النبوية؛ والأدب، ومسلم في الأدب، ومسلم في الفضائل، والترمذي في البر، "من حديث ابن عمرو" -بفتح العين- ابن العاص.
وفي رواية مسلم عن مسروق: دخلنا على عبد الله بن عمرو، حين قدم مع معاوية الكوفة، فكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- فاحشًا، ولا متفحشًا" فتوارد عبد الله مع عائشة على نفي الصفتين، دليل ظاهر على أن ذلك جبلته مع الأهل والأجانب؛ وبقية حديث عبد الله، وكان يقول: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا"، لفظ البخاري، ولفظ مسلم، قال مسلم، قال: وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا"، "وفي رواية له" للبخاري أيضًا في الأدب، "من حديث أنس بن مالك، قال: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبابًا" بشد الموحَّدة، "ولا فاحشًا" رواية أبي ذر، ورواه غيره فحاشًا بالتثقيل، "ولا لعّانًا" بشد العين.
قال الكرماني: يحتمل تعلق السب بالنسب، كالقذف والفحش، بالحسب واللعن بالآخرة؛ لأنها البعد عن رحمة الله، ثم إن المراد نفي الثلاثة من أصلها؛ لأن فعالًا قد لا يراد به التكثير، بل أصل الفعل، أو المراد لم يكن بذي سب، ولا فحش، ولا لعن، ويؤيده رواية فاحشًا، فهو