كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
والفحش: كل ما خرج من مقداره حتى يستقبح، ويدخل في القول والفعل والصفة، لكن استعماله في القول أكثر. والمتفحّش -بالتشديد: الذي يتعمَّد ذلك ويكثر منه ويتكلفه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلًا استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة، فلمَّا جلس تطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه وانبسط إليه، فلمَّا انطلق الرجل قالت له عائشة:
__________
كقول امرئ القيس:
وليس بذي رمح فيطعنني به ... وليس بذي سيف وليس بنبال
فلا يرد أن المصطفى ليس فيه قليل ولا كثير مما ذكر, وبقية الحديث في البخاري، كان يقول: لأجدنا عند المعتبة ماله تربت جبينه -فتح الميم، وسكون المهملة، وفتح الفوقية، وكسرها، فموحدة- مصدر عتب، وهو خطاب الإدلال، ومذاكرة الموجدة، وتربت جبينه: كلمة جرت على لسان العرب، لا يريدون حقيقتها، أو دعاء له بالطاعة، أي: يصلي، فيتترب جبينه، أو عليه بأن تسقط رأسه على الأرض من جهة جبينه، "والفحش كل ما خرج عن مقداره حتى يستقبح، ويدخل فيه القول" وهو الزيادة على الحد في الكلام السيء، "والفعل والصفة" كذلك, "لكن استعماله في القول أكثر، والمتفحش -بالتشديد: الذي يتعمَّد ذلك، ويكثر منه، ويتكلفه"، فالمراد قريبًا: لم يكن الفحش خلقًا له، ولا مكتسبًا.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلًا استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم" زاد في رواية: وأنا عنده، "فلما رآه" علمه بأن أخبر أنه فلان، أو بصر به، أي: فأذن له، فلمَّا رآه حين فتح الباب، "قال": بئس أخو العشيرة" أي: الواحد منها، يقال: هو أخو تميم، أي: واحد منهم، "وبئس ابن العشيرة" بمعنى ما قبله جاء به زيادة في ذمّه, هكذا رواه البخاري، بالواو، وكذا مسلم، لكنه عبَّر بالقوم، فقال: أخو القوم, وبئس ابن القوم، قال الحافظ: وهي بالمعنى، ورواه الترمذي، والبخاري في موضع آخر: بئس ابن العشيرة، أو أخو العشيرة بالشكّ، "فلمَّا جلس تطلَّق" -بفوقية، فطاء مهملة، فلا ثقيلة، فقاف مفتوحات- قال في الفتح: أي: أبدى له طلاقة وجهه، وفي رواية: بشَّ "النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه، وانبسط إليه" أظهر البشر والسرور بحضوره، وهذه صفة تقوم بالذات، لا دلالة لها لغة على أنه خاطبه، لكن في رواية للبخاري في محل ثان: فلما دخل أَلَانَ له الكلام، وفي رواية الترمذي، ثم أذن له، فأَلَانَ له القول، فهو قد فعل معه الأمرين، وهما عرفًا متلازمان.
"فلما انطلق الرجل، قالت له عائشة" مستفهمة، وفيه التفات، وفي رواية الترمذي،