كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له: كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه. فقال -صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، متى عهدتيني فحاشًا، إن شرَّ الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره" رواه البخاري.
قال ابن بطال: هذا الرجل هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وكان يقال له: الأحمق المطاع. ..............
__________
والبخاري أيضًا، فلما خرج، قلت: "يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له" أي: لأجله، وفي شأنه لا أنه خاطبه لفساد المعنى "كذا وكذا ثم تطلقت" سهلت، وانبسطت "في وجهه" يقال: وجه طلق وطليق، أي: مسترسل منبسط غير عبوس، فقوله: "وانبسطت إليه" عطف تفسير، أو معناه: ملت إليه، فهل تاب وصلح حاله بين ما قلت، وبين حضوره عندك، أو لمخالفتك بين الغيبة والحضور؟ حكمة، فهو استفهام، أو تعجب من عدم التسوية، لتقف على الحكمة، "فقال -صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة متى عهدتيني؟ " كذا في النسخ بزيادة الياء للإشباع، فإن التاء فاعل، والياء الأخيرة مفعول، فزيادة الياء بين التاء والنون، لا معنى لها سوى الإشباع، والذي في البخاري عهدتني -بفوقية مكسورة، فنون، وكذا نقله عنه في جامع الأصول وغيره، فلعل زيادتها من النسَّاخ؛ إذ لم ينبه المصنف في شرحه، مع استيعابه لجميع الروايات التي روى البخاري بها غالبًا على أنه روي بثبوت الياء، وكذا الكرماني، والحافظ، وغيرهم "فحاشًا" بالتشديد، أي: ذا فحش, وما ربك بظلام، كما سبق.
الكشميهني فاحشًا، "إن شر الناس" استئنافًا، كالتعليل لترك مواجهته، بما ذكر في غيبته، وبيان لوجه الحكمة التي سألتها عائشة، قال العلائي وغيره: ويحتمل أنه علل به مداراته لعموم الناس، وهذا وغيره؛ وأنه ليس فحاشًا، بل شأنه إكرام وإحسان العشرة، وتحمُّل الأذى لما يترتب على ذلك من جموم الفوائد، وعموم العوائد، ثم المعنى على من، ففي رواية الترمذي: "إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، من تركه الناس اتِّقاء شره" أي: قبيح كلامه، وفي رواية للبخاري وغيره "اتقاء فحشه"، أي لأجل اتقاء قبيح قوله وفعله، أو لأجل اتقاء مجاوزته الحد الشرعي، قولًا، أو فعلًا" "رواه البخاري" ومسلم، وأبو داود، ثلاثتهم في الأدب، والترمذي في البر، في جامعه وفي شمائله، "قال ابن بطال، هذا الرجل هو عيينة بن حصن" بكسر، فسكون، "ابن حذيفة بن بدر الفزاري، وكان يقال له: الأحمق" فاسد العقل، "المطاع" لأنه كان يتبعه من قومه عشرة آلاف قناة، لا يسألونه أين يريد؟ ومن حمقه أن دخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعائشة عنده قبل نزول الحجاب، فقال: من هذه؟ قال: "عائشة"، قال: ألا أنزل لك عن أم البنين؟ فغضبت عائشة، وقالت: من هذا؟ , فقال -صلى الله عليه وسلم: هذا الأحمق المطاع، يعني في قومه،