كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
وقال القرطبي: فيه جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك, مع جواز مداراتهم اتقاءً لشرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله.
ثم قال تبعًا للقاضي حسين: والفرق بين المداراة والمداهنة، أنَّ المداراة بدل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معًا, وهي مباحة وربما استحسنت، والمداهنة بذل الدين لصلاح الدنيا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته، ومع ذلك فلم يمدحه بقول، فلم يناقض قوله فيه فعله، فإن قوله فيه حق، وفعله معه حسن عشرة، فيزول مع هذا التقرير الإشكال ولله الحمد.
__________
عن حال من يغتر بشخص من غير أن يطَّلع المغتر على حاله، فيذم الشخص بحضرته ليجتنبه المغتر، ليكون نصيحة بخلاف غيره -صلى الله عليه وسلم، فإن جواز ذمه للشخص يتوقف على تحقق الأمر بالقول أو الفعل ممن يريد نصحه.
"وقال القرطبي: فيه جواز غيبة المعلق بالفسق، أو الفحش، ونحو ذلك" من الجور في الحكم والدعاء إلى البدعة، "مع جواز مداراتهم اتقاءً لشرهم، ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله", وهي معاشرة المعلن بالفسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه باللسان، ولا بالقلب، "ثم قال" القرطبي: "تبعًا للقاضي حسين، والفرق بين المداراة والمداهنة، أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا، أو الدين، أو هما معا" ومن البذل لين الكلام، وترك الإغلاظ في القول، والرفق بالجاهل في التعليم، والفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه؛ حيث لم يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف حتى يرتدع عما هو مرتكبه، "وهي مباحة، وربما استحسنت" فكانت مستحبة، أو واجبة للديلمي في الفردوس، عن عائشة مرفوعًا: "إن الله أمرني بمداراة الناس، كما أمرني بإقامة الفرائض"، ولابن عدي، والطبراني، عن جابر رفعه: "مداراة الناس صدقة"، وفي حديث أبي هريرة: "رأس العقل بعد الإيمان بالله؛ مداراة الناس، أخرجه البيهقي، بسند ضعيف، وعزاه في فتح الباري للبزار وتعقبه السخاوي؛ بأن لفظ البزار التودد إلى الناس.
"والمداهنة بذل الدين لصلاح الدنيا؛ والنبي -صلى الله عليه وسلم- إنما بذل له من دنياه حسن عشرته، والرفق في مكالمته", وليس ذلك من بذل الدين في شيء، "ومع ذلك، فلم يمدحه بقولٍ, فلم يناقض قوله فعله؛ فإن قوله فيه" بئس ابن العشيرة، "حق وفعله معه حسن، عشرة فيزول مع هذا التقرير الإشكال" الذي هو أن النصيحة فرض، وطلاقه الوجه، والأنة القول يستلزمان الترك، وحاصل جوابه أن الفرض سقط لعارض، "ولله الحمد" على فهم ما ظاهره يشكل علينا، ففهمه