كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
ولما قال تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] فقال -صلى الله عليه وسلم: "لأزيدنَّ على السبعين".
وأمر ولد الذي تولى كبر النفاق والأذى منهم ببر أبيه، ولما مات كفَّنه في ثوب خلعه عن بدنه وصلّى عليه،..........
__________
الاستغفار ولو كثر لا يفيد حتى أقدم جماعة؛ كالغزالي، وإمام الحرمين، والباقلاني، والداودي، فطعنوا في صحته؛ مع كثرة طرقه، واتفاق الشيخين، وسائر الذين خرَّجوا الصحيح على صحته، وذلك ينادي على الجماعة بعدم معرفة الحديث، وقلة الاطلاع على طرقه، وأجيب بأجوبة، أجودها: إن النهي عن الاستغفار لمن مات مشركًا، لا يستلزم النهي عنه لمن مات مظهرًا للإسلام، لاحتمال كونه صحيحًا، ولا ينافيه بقية الآية؛ لجواز أن الذي نزل أولًا إلى قوله: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] الآية، بدليل تمسكه -صلى الله عليه وسلم- به, وقوله: "إنما خَيَّرَنِي الله" تمسكًا بالظاهر على ما هو المشروع في الأحكام، حتى يقوم الدليل الصارف عن ذلك، فكشف الله الغطاء بعد ذلك، وقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} الآية، وبهذا يرتفع الإشكال، وتقدم بسط هذا في المقصد الأول.
"ولما قال تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] الآية. فقال" جواب، لما دخلت عليه الفاء على قوله -صلى الله عليه وسلم: "لأزيدنَّ على السبعين" وفي رواية: "فوالله لأزيدنَّ"، وأخرى "فأنا أستغفر سبعين سبعين"، وهي وإن كانت مراسيل يقوي بعضها بعضًا، ووعده صدق، لا سيما، وقد حلف، وأتى بصيغة المبالغة في التأكيد؛ وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، لما نزلت: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] الآية. قال -صلى الله عليه وسلم: "لأزيدنَّ على السبعين"، فأنزل الله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون] الآية. ورجاله ثقات، أي: فترك الاستغفار بعد نزول آية سورة المنافقين؛ إذ لا يتأتَّى فيها تخيير؛ إذ المعنى استغفارك وعدمه سواء، "وأمر ولد" وهو عبد الله الصحابيّ الصالح؛ "الذي تولَّى كبر النفاق" تحمل معظمه، وهو عبد الله بن أُبَيّ بن سلول، "والأذى منهم" أي: المنافقين "ببر أبيه" حين جاءه يستأذنه في قتله، لما بلغه بعض مقالاته في النبي -صلى الله عليه وسلم، فقال: "بل أحسن صحبته".
رواه ابن مندة بإسناد حسن، "ولما مات كفَّنه في ثوب خلعه عن بدنه" بطلب منه، لذلك روى الطبراني عن ابن عباس: لما مرض ابن أُبَيّ جاءه -صلى الله عليه وسلم- فكلمه، فقال: قد فهمت ما تقول، فأمنَنَّ علي، وكفِّني في قميصك, وصلّ عليّ، ففعل "وصلى عليه" بطلبه وطلب ابنه، لذلك، ففي الصحيحين عن ابن عمر، لما مات ابن أُبَيّ، جاء ابنه عبد الله إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله