كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
هذا وعمر بن الخطاب -رضي الله تعالى- عنه يجذبه بثوبه ويقول: يا رسول الله, أتصلي على رأس المنافقين؟ فنتر ثوبه من عمر وقال: "إليك عنِّي يا عمر". فخالف مؤمنًا وليًّا في حق منافق عدو، وكل ذلك رحمة منه لأمته، أشار إليه الحراني.
وقال النووي: قيل: إنما أعطاه قميصه وكفَّنه فيه تطييبًا لقلب ابنه، فإنه كان صحابيًّا صالحًا. وقد سأل ذلك فأجابه إليه، وقيل: مكافأة لعبد الله المنافق الميت؛ لأنه كان ألبس العباس حين أُسِرَ يوم بدر قميصًا.
وفي ذلك كله بيان عظيم مكارم أخلاقه -صلى الله عليه وسلم، فقد علم ما كان......
__________
أن يعطيه قميصه يكفِّن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه. الحديث. وفيه: فصلَّى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 84] الآية. فلا عبرة بتصدير البيضاوي بأنَّه لم يصلِّ عليه، وللطبراني وغيره، عن قتادة، فذكر لنا أنه، لما نزلت الآية، قال -صلى الله عليه وسلم: "وما يغني عنه قميصي، وإني لأرجو أن يسلِم بذلك ألف من قومه"، وروي أن ألفًا من الخزرج أسلموا، لما رأوه يستشفع بثوبه، ويتوقَّع اندفاع العذاب عنه، "هذا وعمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- يجذبه" بكسر الذال، "بثوبه، ويقول: يا رسول الله! أتصلي على رأس المنافقين, فنتر ثوبه من عمر" بالمثناة الفوقية جذبه بقوة، "وقال: "إليك عني يا عمر" وفي الصحيحين.
فقام عمر، فأخذ بثوب رسول الله، فقال: أتصلي عليه, إنه منافق، فصلى عليه "فخالف مؤمنًا وليًّا في حق منافق عدو" إجراء على الظاهر، "وكل ذلك رحمة منه لأمته، أشار إليه الحراني" بالفتح والتشديد إلى حران مدينة بالجزيرة، قال الخطابي وابن بطال: إنما فعل ذلك لكمال شفقته على من تعلَّق بطرف من الدين، وليطيّب قلب ولده الصحابي الصالح، ولتألّف الخزرج لرياسته فيهم؛ فلو لم يجب سؤال ابنه وترك الصلاة عليه، قبل ورود النهي الصريح، لكان سبَّة على ابنه وعارًا على قومه، فاستعمل -صلى الله عليه وسلم- أحسن الأمرين في السياسة؛ حتى كشف الله الغطاء، فأنزل: {وَلا تُصَلِّ} [التوبة: 84] الآية. فما صلّي على منافق بعد، ولا قام على قبره.
"وقال النووي: قيل: إنما أعطاه قميصه وكفَّنه فيه تطيبًا لقلب ابنه، فإنه كان صحابيًّا صالحًا" شهد بدرًا، وما بعدها، فاستشهد يوم اليمامة؛ في خلافة أبي بكر، "وقد سأل ذلك، فأجابه إليه" لأنه لا يرد سائلًا، والضنة بالقميص ليست من شأن الكرام، "وقيل: مكافأة لعبد الله المنافق الميت؛ لأنه كان ألبس العباس حين أسر يوم بدر قميصًا" فكافأة قميصه حتى لا يكون له على عَمِّه مِنَّة، "وفي ذلك كله بيان عظيم مكارم أخلاقه -صلى الله عليه وسلم، فقد علم ما كان من هذا