كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

ابن مسعود: إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم. الحديث رواه البخاري.
وقال القرطبي: الخلق جبلة في نوع الإنسان, وهم في ذلك متفاوتون، فمن غلب عليه شيء منها كان محمودًا, وإلّا فهو المأموم بالمجاهدة فيه حتى يصير محمودًا، وكذلك إن كان ضعيفًا فيرتاض صاحبه حتى يقوى.
وقد وقع في حديث الأشجّ..................
__________
ابن مسعود" عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم" فأعطى بعضًا خلقًا حسنًا، وبعضًا خلقًا سيئًا، وفاوت في مراتبهما؛ "كما قسم" بينكم "أرزاقكم" فوسَّع على بعض، وضيِّقَ على بعض "الحديث رواه البخاري في الأدب المفرد كما عزاه له جمع، منهم المصنف على البخاري, خلافًا لما يوهمه إطلاقه هنا، أنه رواه في الصحيح, "وقال القرطبي: الخلق جبله" -بكسر الجيم والباء وشد اللام. طبيعة، وخلقة وغريزة وسجية، بمعنى واحد كما في المصباح، "في نوع الإنسان" أي أفراد النوع, " وهم في ذلك متفاوتون" إذ النوع حقيقة واحدة لا تكثر فيها ولا تعدد، واختلافهم فيها باعتبار أن منهم من جبلت طبيعته على محبَّة الأفعال الحسنة، ومنهم من طبيعته على خلاف ذلك.
وإليه أشار بقوله: "فمن غلب عليه شيء" حسن لاختلافها حسنًا وغيره؛ "منها" أي: من الصفات التي هي ثمرات الجبلة الموصوفة، بالحسن "كان محمودًا", ولا يرد عليه أن الجبلة شيء واحد فلا يتَّصف بغلبة ولا دونها، لما قلنا المراد بها الصفات لا نفس الطبيعة، "وإلّا" يغلب عليه شيء بأن غلبت عليه صفات الذم, أو استوى فيها الأمران, "فهو المأمور" بالأحاديث الدالة على طلب تحسين الخلق, وذلك "بالمجاهدة فيه، حتى يصير محمودًا" فيمكن اكتساب حسن الخلق، "وكذلك إن كان" الخلق "ضعيفًا فيرتاض صاحبه" أي: يسعى في تذليله؛ بتعويده الصفات الحميدة شيئً فشيئًا "حتى يقوى" يعني: أن الحسن مقول بالتشكيك، فمن غلب عليه الحسن الكامل لا يحتاج إلى علاج، ومن غلب عليه صفات الذم احتاج إلى علاج قوي؛ ومن كان فيه أصل الحسن احتاج إلى رياضة ليحصل له قوة في الصفة التي تلبس بها، هكذا أملاني شيخنا -رحمه الله، "وقد وقع في حديث الأشج" بمعجمة وجيم. سمي به لأثر كان في وجهه، واسمه المنذر بن عائذ -بمعجمة فتحتية فمعجمة. على الصحيح المشهور؛ الذي قاله ابن عبد البر: والأكثر وقيل اسمه المنذر بن الحرث بن زياد بن عصر -بفتح العين والصاد المهملتين ثم راء. ابن عوف، وقيل المنذر بن عامر, وقيل: ابن عبيد, وقيل: اسمه عائذ بن المنذر، وقيل: عبد الله بن

الصفحة 4