كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

وقال لهم في رجل كان كثيرًا ما يؤتى به سكران بعد تحريم الخمر، فلعنوه مرة فقال: "لا تلعنوه فإنه يحب الله رسوله". فأظهر لهم مكتوم قلبه لما رفضوه بظاهر فعله، وإنما ينظر الله إلى القلوب -طهَّر الله قلوبنا وغفر عظيم ذنوبنا.
ومن ذلك ما رواه الدارقطني من حديث عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصغي إلى الهرة الإناء حتى تشرب ثم يتوضأ بفضلها.
ومن ذلك اتساع خلقه..................................................
__________
"وقال لهم في رجل" اسمه عبد الله، ولقبه حمار بلفظ الحيوان، "كان كثيرًا ما يؤتى به سكران بعد تحريم الخمر، فلعنوه مرة، فقال: "لا تلعنوه، فإنه يحب الله ورسوله".
روى البخاري من طريق زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، قال: كان رجل يسمَّى عبد الله ويلقَّب حمارًا، وكان يضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وكان يؤتى به في الشراب، فجيء به يومًا، فقال رجل: لعنه الله, ما أكثر ما يؤتى به، فقال -صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله"، وذكر الواقدي: أنَّ القصة وقعت له في غزاة خيبر، ولأبي يعلى أنه كان يهدي للنبي -صلى الله عليه وسلم- العكة من السمن، أو العسل، ثم يجيء بصاحبها، فيقول: أعطه الثمن، ووقع نحو ذلك لنعيمان فيما ذكر الزبير بن بكار في كتاب المزاح، وروى أبو بكر المروزي أنَّ عبد الله المعروف بحمار شرب في عهد عمر، فأمر الزبير وعثمان فجلداه، "فأظهر لهم مكتوم قلبه" أي: ما كتمه قلبه وأخفاه من حب الله ورسوله؛ بحيث لم يعلم حقيقته سواه -صلى الله عليه وسلم، "لما رفضوه" حين تركوه "بظاهر فعله" من إضافة الصفة للموصوف، أي: بسبب فعله الظاهر، تركوه ظنًّا أنه مبعد عن الله، "وإنما ينظر الله إلى القلوب" أي: إلى ما فيها، فيجازي عليه بأحسن الجزاء، وإن كان ظاهر فعله يقتضي خلافه، "طهر الله قلوبنا" بحبه وحب رسوله، "وغفر عظيم ذنوبنا" بفضله وكرمه.
"ومن ذلك ما رواه الدارقطني" وحسَّنه، والحاكم، وصحَّحه، وأبو نعيم، والطبراني برجال ثقات، "من حديث عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يصغي" بمهملة فمعجمة، يميل "إلى الهرة الإناء حتى تشرب" منه بسهولة، "ثم يتوضأ بفضلها" أي: بما فضل من شربها، وفيه طهارة الهرة وسؤرها، وبه قال عامَّة العلماء، إلّا أن أبا حنيفة كره الوضوء بفضلها، وخالفه أصحابه، وندب سقي الماء والإحسان إلى خلق الله، وأن في كل كبد حرى أجرًا، وأنه ينبغي للعالم فعل المباح إذا تقرَّر عند بعض الناس كراهة، ليبين جوازه، "ومن ذلك اتساع خلقه" إن قيل اسم الإشارة عائد على اتساع خلقه، فما فائدة ذكره" فالجواب: لعل فائدته التنبيه على أن هذا من أحسن أخلاقه، كأنه قال: اتساع خلقه الحسن المتميز عن بقية أحواله، اتساع خلقه، مع أصحابه

الصفحة 40