كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

فأعطاه الله بتواضعه أن جعله أول من تنشق عنه الأرض وأول شافع، وأول مشفَّع، فلم يأكل متكئًا بعد ذلك حتى فارق الدنيا, وقد قال -عليه الصلاة والسلام: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" رواه الترمذي.
ومن تواضعه -عليه الصلاة والسلام- أنَّه كان لا ينهر خادمًا، روينا في كتاب الترمذي عن أنس قال: خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين،..............
__________
فالنبوة معطاة له في الوجهين، "فأعطاه الله بتواضعه، أن جعله أول من تنشق عنه الأرض" يوم القيامة "وأول شافع، وأول مشَفَّع" مقبول الشفاعة، كما يأتي بسط ذلك من الخصائص إن شاء الله تعالى، كقوله: "فلم يأكل متكئًا" مائلًا على أحد الجانبين، كما عزاه عياض في شرح مسلم للأكثر، وجزم به ابن الجوزي، أو معتمدًا على وطاء تحته، جزم به الخطابي، وعزاه في الشفاء للمحققين، أو معتمدًا على شيء، أو على يده اليسرى، من الأرض. أقوال بسطها المصنف في الأكل من ذا المقصد "بعد ذلك حتى فارق الدنيا"؛ لأنه لما اختار العبودية فعل فعل العبد، ولذا قال: "آكل، كما يأكل العبد، وأجلس، كما يجلس العبد".
وروى ابن عدي، والديلمي، وغيرهما بإسناد ضعيف عن أنس: جاء جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يأكل متكئًا، فقال: التكأة من النقمة، فاستوى بعد ذلك قاعدًا، فما رؤي بعد ذلك متكئًا، وقال: "إنما أنا بد أكل، كما يأكل العبد، وأشرب، كما يشرب العبد" والتكأة، بوزن الهمزة ما يتكأ عليه، ورجل تكأة: كثير الاتكاء، والتاء بدل من الواو، كما في النهاية، "وقد قال -عليه الصلاة والسلام: "لا تطروني" بضم أوله، وسكون الطاء، والإطراء: المدح بالباطل، أي لا تتجاوز الحد في مدحي، بأن تقولوا ما لا يليق بي، "كما أطرت النصارى ابن مريم" , وفي رواية: "عيسى ابن مريم"، حيث كذبوا، وقالوا: إله وابن الله، وأحد ثلاثة, وغير ذلك من إفكهم، "إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله" ولا تقولوا ما قالته النصارى، فأثبت لنفسه ما هو ثابت له من العبودية والرسالة، وأسلم لله ما هو له، لا لسواه "رواه الترمذي" كذا في النسخ، وقد رواه البخاري من حديث عمر، وعزاه المصنف نفسه له في الأسماء النبوية.
"ومن تواضعه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان لا ينهر خادمًا، روينا في كتاب الترمذي" ومسلم، والبخاري، "عن أنس، قال: خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم" زاد في رواية أحمد في السفر والحضر "عشر سنين" الرواية، بسكون الشين، ويجوز فتحها، وفي مسلم تسع سنين، وحملت على التحديد، والأولى، وهي أكثر الروايات على التقريب، إلغاء للكسر، فخدمته؛ إنما كانت أثناء

الصفحة 42