كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
فما قال لي أفٍّ قط, ولا قال لشيء صنعته: لِمَ صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟
وكذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عبيده وإمائه، ما ضرب منهم أحد قط، وهذا أمر لا تتسع له الطباع البشرية لولا التأييدات الربَّانية.
وفي رواية مسلم: ما رأيت أحد أرحم بالعيال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وقالت عائشة: ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا قط، ولا ضرب امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله،.............................
__________
السنة الأولى من الهجرة، "فما قال لي أف" بضم الهمزة، وسكون الفاء مشددة، ولأبي ذر أف، بفتحها: صوت يدل على التضجر, "قط" تأكيد لنفي الماضي بمعنى الدهر والأَبَد، مع أنه قد يتفق له فعل شيء ليس على الوجه الذي أراده منه المصطفى، ففي رواية أبي نعيم، فمَا سبَّني قط، وما ضربني من ضربة، ولا انتهرني، ولا عبس في وجهي، ولا أمرني بأمر، فتوانيت فيه، فعاتبني عليه، فإن عاتبني أحد، قال: دعوه، ولو قدر شيء كان، "ولا قال لشيء صنعته لِمَ صنعته، ولا لشيء تركته لِمَ تركته" زاد في رواية، ولكن يقول: "قدَّر الله، وما شاء الله فعل، ولو قدر الله كان، ولو قضى لكان"، "وكذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عبيده وإمائه، ما ضرب منهم أحد قط، وهذا أمر لا تتسع له" لا تطيقه، ولا تقدر عليه "الطباع البشرية، لولا التأييدات الربانية", وما ذاك إلّا لكمال معرفته -صلى الله عليه وسلم- أنه لا فاعل، ولا معطي، ولا مانع إلا الله، وأن الخلق آلات وسائط، فالغضب على المخلوق في شيء فعله، كالإشراك المنافي للتوحيد، وقيل: سبب ذلك أنه كان يشهد تصريف محبوبه فيه، وتصريف المحبوب في المحب، لا يعلل، بل يسلم ليستلذ، فكل ما يفعله الحبيب محبوب، "وفي رواية مسلم" عن أنس في حديث: "ما رأيت أحد أرحم بالعيال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وقالت عائشة: ما ضرب -صلى الله عليه وسلم. زاد في رواية: بيده، وهو لتأكيد النوعية نحو يطير بجناحيه؛ إذ الضرب عادة لا يكون إلّا باليد، "شيئًا قط" آدميًّا، أو غيره، أي: ضربًا مؤذيًا, وضربه لمركوبه لم يكن مؤذيًا، ووكْزَه بعير جابر، حتى سبق القافلة بعدما كان عنها بعيدًا، معجزة، وكذا ضربه لفرس طفيل الأشجعي لما رآه متخلفًا عن الناس، وقال: "اللهم بارك فيها" وقد كان هزيلًا ضعيفًا، قال طفيل: فلقد رأيتني ما أملك رأسها، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفًا.
رواه النسائي، "ولا ضرب امرأة، ولا خادمًا" خاص على عام، مبالغة في نفي الضرب، لكثرة وجود سبب ضربهما، للابتلاء بمخاطبتهما ومخالفتهما غالبًا، فقد يتوهّم عدم إرادتهما من قولها شيئًا، "إلّا أن يجاهد في سبيل الله" فيضرب إن احتاج إليه، وقد قتل بأُحُد أُبَيّ بن خلف،