كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

أنه -صلى الله عليه وسلم- قال له: إن فيك لخصلتين يحبهما الله: "الحلم والأناة"، قال: يا رسول الله قديمًا كان فيَّ أو حديثًا؟ قال: "قديمًا"، قال: الحمد لله الذي جبلني على خِلَّتين يحبهما الله. رواه أحمد والنسائي وصحَّحَه ابن حبان.
فترديد السؤال وتقريره عليه يشعر بأن في الخلق ما هو جبلي وما هو مكتسب, وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم كما حسَّنت خَلْقِي فحَسِّن خُلُقِي".......
__________
عوف. "أنه -صلى الله عليه وسلم- قال له: "إن فيك خصلتين" تثنية خصلة، وفي رواية لخلِّتين وهما بمعنى "يحبهما الله".
زاد في رواية ورسوله "الحلم" العقل أو تأخير مكافأة الظالم أو العفو عنه، أو غير ذلك "والأناة" بالقصر بزنة فتاة: التثبت وعدم العجلة، وذلك إن وفد عبد القيس بادروا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بثياب سفرهم, وأقام الأشج في رحالهم، فجمعها وعقل ناقته, ولبس أحسن ثيابه, ثم أقبل إلى النبي، فقر به -صلى الله عليه وسلم- وأجلسه إلى جانبه, وقال: "تبايعون على أنفسكم وقومكم"؟ فقال القوم: نعم. فقال الأشج: يا رسول الله! إنك لن تزاول الرجل على شيء أشد عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا ونرسل من يدعوهم، فمن اتبعنا كان منا، ون أبَى قاتلناه. قال: "صدقت, إن فيك" إلخ.
قال عياض: فالأناة: تربصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل، والحلم: هذا القول الذي قاله، الدال على صحة عقله، وجودة نظره للعواقب، "قال: يا رسول الله, قديمًا كان" المذكور من الخصلتين، هكذا في نسخ بالأفراد، ومثلها بخط الشامي، وفي بعضها كانا بالتثنية، لكن المناسب كانتا "فِيَّ، أو حديثًا، قال: قديمًا. قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين" تثنية خلة، وهي الخصلة، كما في النسخ الصحيحة، وخط الشامي، وهو موافق لقول المصطفى، خلتين لفظًا ومعنًى، وعلى رواية الخصلتين، يكون عدل عن لفظه إلى معناه قرارًا من توارد الألفاظ، وأن بين مخاطبين، فما في نسخ على خلقين لا يناسب قوله خصلتين، إلّا بحملهما على غير معنى الخلق. "يحبهما الله" زاد في رواية ورسوله "رواه أحمد، والنسائي، وصححه ابن حبان", وهو في مسلم، والترمذي من حديث ابن عباس, وتقدَّمت القصة مبسوطة في الوفود. "فترديد السؤال، وتقريره عليه" بقوله: قديمًا، "يشعر بأن في الخلق ما هو جبلي، وما هو مكتسب"؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أقرَّه على سؤاله، وأجابه بقوله: قديمًا. قال ابن حجر وغيره: وهذا هو الحق، قال شيخنا: وهو جميع بين القولين لا ثالث، "وقد كان -صلى الله عليه وسلم" إذا نظر في المرآة "يقول: "اللهم كما حسَّنت" وفي رواية أحسنت، "خَلْقِي" بالفتح "فحسِّن خُلُقِي" بالضم، لأقوى على أثقال الخلق، وأتحقق بتحقق العبودية، والرضا بالعدل ومشاهدة الربوبية، قال الطيبي: يحتمل أن

الصفحة 5