كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

والله، حتى أعطاها -حسبت أنه قال- عشر أمثاله. أو كما قال.
وإنما فعلت هذا أم أيمن لأنها ظنت أنها كانت هبة مؤيدة وتمليكًا لأصل الرقبة، وأراد -صلى الله عليه وسلم- استطابة قلبها في استرداد ذلك, فلاطفها, وما زال يزيدها في العوض حتى رضيت، وكل هذا تبرع منه -صلى الله عليه وسلم- وإكرام لها، لما لها من حق الحضانة والتربية، ولا يخفى ما في هذا من فرط جوده وكثرة حلمه وبره -صلى الله عليه وسلم.
وجاءته -صلى الله عليه وسلم- امرأة في عقلها شيء، فقالت: إن لي إليك حاجة، فقال: "اجلسي في أي سكك المدينة شئت أجلس إليك" , وفي رواية سلم: "حتى أقضي حاجتك،.............
__________
والله حتى أعطاها".
قال سليمان بن طرخان: الراوي عن أنس "حسبت أنه" أي: أنسًا "قال: عشر أمثاله، أو كما قال" أنس. وفي مسلم حتى أعطاها عشرة أمثاله، أو قريبًا من عشرة أمثاله، قال الحافظ: وعرف بهذا أن معنى قوله: ولك كذا وكذا، أي: مثل الذي لك مرة، ثم شرع يزيدها مرتين ثلاثًا، إلى أن بلغ عشرة، "وإنما فعلت هذا أم أيمن؛ لأنها ظنَّت أنها كانت هبة مؤيدة؛ وتمليكًا لأصل الرقبة", والواقع: إنها هبة للمنفعة فقط، ففيه مشروعية هبة المنفعة، دون الرقبة، فلم يكن لها امتناع، ولا أخذ بدل، "و" لكن "أراد -صلى الله عليه وسلم- استطابة قلبها، في استرداد ذلك، فلاطفها، وما زال يزيدها في العوض حتى رضيت، وكل هذا تبرع منه -صلى الله عليه وسلم- وإكرام لها، لما لها من حق الحضانة والتربية، ففيه منزلة أم أيمن، وهي أم أسامة بن زيد، وابنها أيمن، صحابيّ أسنّ من أسامة، استشهد بحنين، وعاشت أم أيمن بعده -صلى الله عليه وسلم- قليلًا، ولا يخفى ما في هذا من فرط جوده، وكثره حلم وبره -صلى الله عليه وسلم".
"وجاءته -صلى الله عليه وسلم- إمرأة", قال الحافظ: لم أقف على اسمها، وفي بعض الحواشي: إنها أم زفر ماشطة خديجة، ونزع فيه، وتردد البرهان في المقتفى، في أنها هي، أو غيرها؛ وجزم غيره بأنها هي، لكن نوزع، "كان في عقلها شيء" من الجنون، ولم يصرح به إشارة لخفته، وأنها لم تستغرق فيه، فإن لفظ شيء يشعر بالقلة، "فقالت: إن لي إليك حاجة" أي: لي حاجة أريد أن أنهيها إليك، وأعلمك بها، "فقال: "اجلسي" بصيغة المخاطبة من أمر الحاضر، "في أي سكك" طرق "المدينة شئت أجلس" بالجزم جواب الأمر "إليك" , أي: معك، فإلى بمعنى عند، وهذا الحديث في الصحيحين، "و" زاد في "في رواية مسلم "حتى أقضي حاجتك" , قيل: ولعلها كانت تعقد بالطريق، لما في عقلها، فعبَّر عن إجابتها بذلك، أو أظهر كمال الاهتمام والاستعجال بقضاء حاجتها بهذا البيان، "فخلا معها في بعض الطريق، حتى فرغت من حاجتها" لأنه كان

الصفحة 51